عادل إبراهيم حمد

محاذير من الانبهار بالتجربة الإثيوبية

شارك الخبر

ضجت القاعة بالتصفيق تحية للرئيس الإثيوبي آبي أحمد وهو يتأهب لمخاطبة الاحتفال بالتوقيع على الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. لم يكن ذلك الاحتفاء الخاص بالرئيس الإثيوبي لدوره المقدر في الوساطة بين الطرفين فحسب، بل هو امتداد لإعجاب زائد بالتجربة الإثيوبية، رغم مثالب كثيرة فيها ـ يعرض لها المقال الذي يناقش انطلاقاً من تلك الواقعة قابلية الانبهار فينا، ولو انعدمت الأسانيد الموضوعية.
كانت إثيوبيا تحت الحكم الإمبراطوري القابض، فلم تُتح للشعب الإثيوبي فرص السجال السياسي والفكري الذي تتيحه ساحة الديمقراطية الرحبة. ثم انتقل الشعب الإثيوبي إلى حكم طغمة عسكرية، لتضيق أكثر مساحة الحراك السياسي تحت حكم الدكتاتور البشع منقستو، فانتظمت المعارضة الإثيوبية في جبهة أمكن لها إسقاط النظام الدكتاتوري. لكن، لوحظ أن كل مكونات الجبهة التي أسقطت منقستوذات مرجعية إثنية، تماشياً مع خصوصية تعني ذلك البلد المعروف بخلافاته العرقية التي ألقت بظلالها الكثيفة على المشهد السياسي.
تشكلت الجبهة الحاكمة من تحالف بين جبهة تحرير شعب تيقراي والجبهة الديمقراطية لشعب أرومو والحركة الديمقراطية لشعب أمهرا والحركة الديمقراطية لـ (شعوب) جنوب إثيوبيا، أي أن الرابط التنظيمي في كل تلك التنظيمات السياسية هوالعرق كما توضح المسميات، حيث لم تظهر ـ على سبيل المثال، الجبهة الاشتراكية أو الحزب التقدمي وغيرها من مسميات ذات دلالات سياسية. وتظهر أيضا الظلال غير السياسية في حرص مصادر الأخبار الإثيوبية على إيراد تفاصيل عن زعماء إثيوبيا على شاكلة: الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإثيوبي لا ينتمي لقومية الأمهرا ولا للتيقراي، أو نه من البروتستانت لا الأرثوذكس، أو أنه أول رئيس من الأورومو، وأن أباه مسلم لكن أمه مسيحية. هذه الملاحظات تكشف إلى أي مدى تتظلل التجربة الإثيوبية بخلفيات عرقية ودينية قد تبطن ألغاماً قابلة للانفجار، وقد انفجر بعضها بالفعل.
في المقابل، عرف السودان قبل عشرات السنين من التجربة الإثيوبية المتأخرة نظاماً تعددياً قوامه أحزاب بتوجهات سياسية وخلفيات فكرية، لتضم بين صفوفها مختلف الأعراق والجهويات، فكان حزب الأمة والحزب الاتحادي وحزب الأشقاء والحزب الجمهوري والجبهة المعادية للاستعمار والحزب الجمهوري الاشتراكي.. ثم الحزب الشيوعي والجبهة الإسلامية. ورغم فترات من الحكم الشمولي قطعت على التعددية السياسية استمراريتها، حافظت معظم هذه التنظيمات على وجودها، دليلا على قوة الأساس الذي بنيت عليه.. فهل يمكن لبلد بهذا الإرث والثراء السياسي أن ينتكس إلى جبهة تحرير الزغاوة وتحالف قبائل رفاعة وتضامن الرزيقات وجبهة شعوب الشايقية اقتداءً بالتجربة الإثيوبية؟
يعجز المجتمع السياسي الإثيوبي حتى الآن عن تشكيل حزب مؤثر يلتقي فيه تيقراي مع أمهرا مع أرومو على رؤية سياسية، حيث ما زال العرق هو العامل الأوحد لتشكيل التنظيم السياسي في إثيوبيا. لذلك تتجدد الاضطرابات العرقية رغم جهود الإصلاح؛ فبعد أن شكا المجتمع الإثيوبي من سيطرة الأمهرا خلال الحكم الإمبراطوري وفي عهد منقستو، تحولت الشكوى بعد الثورة إلى رفض لهيمنة التيقراي، لتندلع احتجاجات الأرومو التي سقط خلالها قرابة ألف قتيل. فاختير في مارس من العام الماضي آبي أحمد رئيسا للوزراء في محاولة لإرضاء الأرومو. وهو ما لم يُرْضِ قوميات أخرى فتعرَّض الرئيس الجديد لمحاولة اغتيال بعد ثلاثة أشهر من اختياره، واقتحمت مجموعة مسلحة مكتبه في أكتوبر, بل وشهد إقليم أرومو نفسه اضطرابات خلال يناير وفبراير الماضيين.
هذه حالة تؤكد أن مؤهل رئيس الوزراء الإثيوبي في التوسط بين الطرفين السودانيين المختلفين، هو أنه طرف ثالث محايد يقبله الطرفان، وليس لأنه صاحب تجربة ناجحة في التعايش الديمقراطي في بلده، يرجو تعميمها في الإقليم.
قد يعزو البعض الإعجاب الزائد بالتجربة الإثيوبية إلى ما حققته من نمو اقتصادي لافت. وإذا افترضنا صحة هذا الاحتمال، فلا بد من تصحيح ضروري يوضح أهمية الاستقرار السياسي كضمانة لنجاح الخطط الاقتصادية، أو كمقدمة ضرورية تسبق أي خطة اقتصادية حتى يكون الاستقرار حاميا من أي اضطراب، وجاذباً للمستثمرين للاستثمار في بلد مستقر.. كما أن الوضع الاقتصادي في السودان ليس في حاجة للاقتداء بالتجربة الإثيوبية ولا بغيرها، بقدر ما هو بحاجة إلى ضرب الفساد الذي ضرب الاقتصاد السوداني في مقتل. ولتكن البداية بتفعيل القوانين الخاصة بالاستثمار والعمل المصرفي، فيعود عائد الصادر وتعود القروض التائهة ويعود المستثمر الذي (طفش).
إن السودان بعد ثورة ديسمبر، وبتجربته السياسية ذات الجذور، مؤهل أكثر من أية دولة في المنطقة لتقديم أنموذج ديمقراطي يفضي بالضرورة لاستقرار سياسي، كمقدمة للازدهار الاقتصادي المنشود.
أما إثيوبيا فهي جارة نستفيد من تجاربها ـ إذا دعا الحال، وتستفيد من تجاربنا، بلا انبهار. ونحفظ للرئيس آبي أحمد دوره المقدر، حرصاً على قيمة الوفاء وعلى مبدأ الصداقة مع الشعوب، وبالأخص شعوب دول الجوار.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.