وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله في أول حوار صحفي لـ(السوداني): – مبادئ الثورة تمنحنا القوة لرفض أية محاولات لجرنا للمحاور والأحلاف

حوار: فتح الرحمن شبارقة
تصوير: سعيد عباس

رغم ازدحام أجندتها وملفاتها وزائريها، إلا أن وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله كانت في الموعد تماماً، فعندما أخبرتها في اتصال هاتفي برغبتي في إجراء حوار معها لصحيفة (السوداني)، قالت إنها ستتصل بي في آخر اليوم، وقد فعلت بالضبط ما وعدت به دون تلجلج، وكان هذا اللقاء في مكتبها صبيحة الخميس الماضي حيث قدمت فيه السيدة الوزيرة إضاءات كاشفة حول حزمة من أهم التساؤلات التي ظلت تلاحقها منذ اختيارها المفاجئ لمنصب وزير الخارجية، كأول امرأة تشغل هذا المنصب الرفيع في السودان. واتسمت إفادات رئيسة الدبلوماسية السودانية في هذا الحوار، بقدر فوق المعدل من الدبلوماسية، ومثل ذلك من الوضوح إذ كشفت فيه أسماء عن أهم ملامح وتوجهات وزارتها في المرحلة المقبلة، فإلى مضابط الحوار الذي يُعد الأول من نوعه لوزيرة الخارجية مع صحيفة سودانية:

  • ما هو الملف الذي يحظى بأولوية بالنسبة لك في وزارة الخارجية؟
  • الملف الذي يحظى بأولوية بالنسبة لي هو إعادة إدماج السودان في الأسرة الدولية، وتجاوز العزلة الدولية التي كان يعيشها السودان، والتي كانت تفرض قيوداً كبيرة على حركة الدبلوماسية السودانية، ولا يتأتى ذلك بالطبع إلا بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء العقوبات الدولية والثنائية المفروضة عليه بسبب سياسات النظام السابق.
  • من يرسم سياسة السودان الخارجية الآن.. أهو حمدوك أم وزيرة الخارجية أم قوى الحرية والتغيير؟
  • رسم سياسة السودان الخارجية، شأنها شأن السياسة الخارجية لأية دولة حديثة قائمة على مؤسسات، عمل جماعي لا يقوم به فرد أو مجموعة واحدة، تبدأ بمقترحات وتوصيات من وزارة الخارجية بإداراتها المختلفة وبعثاتها الدبلوماسية المنتشرة في أنحاء العالم وذلك في ضوء موجهات (إعلان قوى الحرية والتغيير) والاتفاق السياسي حول ترتيبات الفترة الانتقالية والوثيقة الدستورية، من ثم تقدم لمجلس الوزراء لإجازتها ثم الجهاز التشريعي – وهو في وضعنا الحالي ولحين تكوين المجلس التشريعي عبارة عن اجتماع مشترك للمجلس السيادي ومجلس الوزراء – لاعتمادها ولتصبح السياسة الخارجية الرسمية للبلاد.
  • من زيارات وزيري الخارجية الألماني والفرنسي للخرطوم، وزيارتكم لنيويورك يبدو أنكم تهتمون بالغرب على حساب الشرق.. فهل أدرتم ظهركم لحلفاء السودان السابقين.. أعني الصين، وربما روسيا؟
  • نحن نسعى لعلاقات متوازنة مع الجميع واضعين نصب أعيننا مصالح البلاد العليا.. وكما تعلم فإن العالم صار متداخلاً وتشابكت فيه المصالح والعلاقات والقضايا وزالت الحواجز الأيدولوجية، ولم يعد التقسيم القديم إلى كتلة غربية وكتلة شرقية موجوداً.. صحيح نحن نسعى الآن لإصلاح وتقوية علاقاتنا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأن هذه العلاقات، بجانب العلاقات مع بعض دول الجوار، كانت هي الأكثر تضرراً خلال العهد البائد، لكن هذا لا يعني بحال إهمال علاقاتنا مع أصدقائنا في روسيا والصين وباقي دول آسيا، وهم أصدقاء وشركاء تقليديون لنا ولدينا علاقات تاريخية معهم.. ونرحب بأي زيارات وتواصل من هذه الدول وإليها.
  • ما الذي حدث في وزارة الخارجية إبان حكم الإنقاذ ويستوجب التغيير برأيك؟
  • أولاً إضعاف دور وزارة الخارجية والاستعاضة عنها بأجسام موازية أخرى، والتغول على صلاحياتها واختصاصاتها.. وكذلك إضعاف المؤسسية والمهنية في وزارة الخارجية والاستغناء عن العديد من الكوادر الدبلوماسية المهنية ذات التجربة العريضة.. فضلاً عما أصاب الخدمة المدنية ككل من تسييس وإلحاق بالحزب الحاكم، كل ذلك يتطلب تصحيحاً وإعادة الأمور إلى نصابها.
  • في المقابل، ما هو الأمر الجيد الذي تم في وزارة الخارجية إبان النظام السابق ويمكن البناء عليه – إن وجد؟
  • ما ينبغي البناء عليه هو التقاليد الراسخة للدبلوماسية السودانية التي وضعها الآباء المؤسسون والذين كانوا على درجة عالية رفيعة من المهنية والوطنية والمقدرة على الابتكار.. هذه الروح التي اجتهد الكثير من الدبلوماسيين المهنيين للحفاظ عليها في ظل ما تعرضت له المؤسسة الدبلوماسية خلال العهد البائد.
  • السودان يقع في منطقة ضغط منخفض وهناك محاولات مستميتة لجذبه لمحاور إقليمية.. إلى أي مدى تستطيعون الالتزام بسياسة خارجية متوازنة رغم الضغوط؟
  • الحكومة الانتقالية أتت للسلطة نتيجة لثورة شعبية فريدة أبهرت العالم وكانت وما تزال محط إعجابه واحترامه العميق. وشعارتها هي: حرية.. سلام.. وعدالة، وهذه المبادئ ستكون هي الهادية للسياسة الخارجية وتمنحها الإرادة والقوة للحفاظ على المواقف المتوازنة التي تعبر عن مصالح شعبنا.. ورفض أي ضغوط أو محاولات لجرنا للمحاور والأحلاف.
  • هل سيظل السودان ملتزماً بالموقف العربي الموحد بشأن العلاقة مع إسرائيل أم ربما يخضع الأمر للتقييم؟
  • نحن مع الموقف العربي الموحد والذي تعبر عنه المبادرة العربية للسلام، وشروطها وتفاصيلها معروفة، وهي بمثابة خارطة طريق للعلاقات المستقبلية بين الدول العربية وإسرائيل.
  • هل صحيح أن وزارة الخارجية فيها (كرير) و (كرور) كما قال أحد السفراء؟
  • إذا صحت نسبة هذه العبارة لسفير كما ذكرتم، فهي ليست لغة مستحبة للتخاطب بين زملاء المهنة. يجب أن يكون كل سفرائنا ودبلوماسيينا وكل العاملين بالوزارة على درجة من الأهلية والأكاديمية والمهنية الكافية والضرورية لتمثيل السودان وتقديم وجهه المشرق للعالم خاصة بعد انتصار ثورتنا المجيدة والاحترام والإعجاب الذي نحظى به حالياً دولياً.
  • كنتِ من ضحايا الفصل التعسفي للنظام السابق، فهل سيكون هناك فصل تعسفياً لسفراء ودبلوماسيين في المرحلة القادمة لاتهامهم بموالاة الدولة العميقة؟
  • الثورة قامت من أجل العدالة.. والسيد رئيس الوزراء أكد أنه لن تكون هناك إجراءات مخالفة للقانون.. وبالتالي فإن أية مراجعة لأوضاع العاملين بوزارة الخارجية ستكون بموجب القانون والعدالة.
  • هل ستتم إعادة المفصولين تعسفياً إبان عهد الإنقاذ لوزارة الخارجية مرة أخرى؟
  • بالطبع لا بد من رد الاعتبار لكل الذين فُصلوا تعسفياً من الوزارة، وإعطائهم حقوقهم. ومن يرغب منهم في العودة للخدمة سيُعاد في إطار نُظم الخدمة المدنية والقوانين واللوائح.. واتباع كل ما من شأنه رد الظلم الذي وقع عليهم وتعويضهم عما لحق بهم من تشريد وحرمان من الحقوق.
  • كونك امرأة.. هل ستراعي التمييز الإيجابي للنساء والسفيرات في رئاسة البعثات الدبلوماسية؟
  • أعلنتها من قبل أنني سأنتهج نهج التمييز الإيجابي للمرأة الدبلوماسية وسياسة تمكين المرأة لتحقيق العدالة في الفرص ولتحقيق سياسة التوازن بين الجنسين في الخدمة الدبلوماسية، وليس افتئاتاً على حقوق الرجال.. والمرأة الدبلوماسية عانت من قبل من الظلم والتمييز ضدها وآن الأوان لأن يوضع حد لذلك وإحداث التوازن المطلوب.
  • السيدة الوزيرة.. هل تستطيعين السفر الكثير الذي يتطلبه عمل وزير الخارجية؟
  • لا تخشى عليّ من ذلك، فأنا بحمد الله بكامل صحتي ولياقتي، والدليل على ذلك الزيارات المتواصلة لخارج السودان منذ تولي الوزارة. لكن بالطبع لن أحتكر السفر، فوزارة الخارجية لا تختزل في شخص الوزير. فسيكون هناك وزير دولة، وهناك وكيل ووكيل مساعد ومديرون عامون ومديرو إدارات وغيرهم، وكل هؤلاء لديهم دورهم وإسهامهم في المساهمة في الأنشطة والزيارات الخارجية.
  • السيدة الوزيرة.. من رشحك للوزارة تحديداً، وهل صحيح أن زوجة د.حمدوك كان لها تأثير في اختيارك؟
  • ترشيحي جاء أساساً من أعضاء قوى إعلان الحرية والتغيير ورحب به د.عبد الله حمدوك وتحمّس له، وأشكره على ذلك. ومؤكد أن السيدة الفاضلة حرمه الأخت د.منى قد سعدت باختياري وزيرة للخارجية باعتباري أول سيدة تتولى هذا المنصب ولأنها حسب معرفتي بها من أقوى المنادين بتمكين المرأة بحكم تجربتها الدولية وعملها في عدة منظمات إقليمية ودولية، ولكن لا أظن أنها أدت دوراً شخصياً في هذا الأمر.
  • أخيراً.. ما هو الشيء الذي ستسعدين لو تمكنتِ من إنجازه في وزارة الخارجية؟
  • هناك أشياء سأكون سعيدة لو تمكنت من إنجازها بمساعدة فريق وزارة الخارجية وسفاراتها بالخارج وبمعاونة زملائي في الحكومة الانتقالية وعلى رأسهم رئيس الوزرء د.عبد الله حمدوك. ويأتي في مقدمة ذلك إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بأسرع ما يمكن.. وإعفاء ديون السودان.. واستئناف العون التنموي للسودان.. واستعادة السودان لمكانه اللائق في الأسرة الدولية. وعلى مستوى وزارة الخارجية تثبيت قيم المهنية الدبلوماسية، وإعداد جيل من الدبلوماسيات والدبلوماسيين المؤهلين لحمل الراية من بعدنا.. وتحقيق التوازن النوعي (الجندري) في السلك الدبلوماسي.
شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.