أجندة…عبد الحميد عوض

صحي النوم يا وزير (1)

قادتني خطاي، قبل أيام، لواحد من المجمعات الشرطية بالخرطوم، لتجديد رخصة القيادة الخاصة بي، وهناك دفعت رسوماً، من بينها مبلغ 250 جنيهاً خاصة بالكشف الطبي، الذي هو من دون شك، شرط أساسي لتجديد الرخصة، أو استخراجها، وهو ضمان لسلامة السائق والسلامة العامة في الطرق، ولكم أن تتخيلوا كيف كان الكشف المسمى طبي، في عرف وزارة الداخلية..!!
دخلت المكتب الخاص بالإجراء الطبي، واستلمَتْ موظفة المبلغ مني، وحولتني لشخص طرح على سؤالين شفاهيَّين: الأول عن سلامة نظري، والثاني عن صحتي العامة، وفي الحالتين كانت إجابتي: (تمام)، واعتقدت سينهض من مكانه لإكمال الفحص بشكل عملي، وبأدوات معملية للدم، أو من بلوحة كشف النظر المعروفة، التي تُحدِّد النسبة والدرجة، لكنه اكتفى بتلكما الإجابتين، ومهر توقيعه، ووضع أكثر من ختم بارز على أوراقي، وأرشدني مشكوراً للخطوة التالية.
لم يحدث هذا معي وحدي، بل مع كل المتعاملين في ذلك اليوم، وجميعنا اتفقنا على أن آخر شيء يمكن أن يُطلَق على ذلك الإجراء، هو مصطلح (كشف طبي)، والتسمية الأنسب له هو (كيف تجمع أموالاً بأسرع طريقة).
نسيتُ أن أقول إنني دفعت رسوماً أخرى قدرها على ما أذكر 60 جنيهاً باسم “رسوم خدمات”، على الرغم من افتقار المكان للخدمات الملموسة، والأغرب أن المجمع لا يقبل دفع أي مبلغ عن طريق الخدمات الإلكترونية، والكاش وحده هو الذي يقلل النقاش.
سيكون السيد وزير الداخلية، اللواء الطريفي إدريس، مُخطئاً لو اعتقد أن طريقة اختياره للمنصب، بواسطة المكون العسكري، أمر يجعل الوزارة بعيدة عن التثوير، بل على العكس تماماً، فإن وزارة الداخلية واحدة من الوزارات التي من المُفترض أن يكون إصلاحها بعد الثورة في مقدمة الأولويات، لأكثر من سبب.
في عهد النظام السابق، كانت الوزارة من بين عدد من الوحدات الحكومية متهمة بممارسة خطيئة تجنيب الأموال، وجعلها بعيدة عن ولاية وزارة المالية، وفي راوية أخرى بعيدة عن إجراءات المراجعة، وهو أمرٌ سيكون مرفوضاً جملةً وتفصيلاً في ظل ثورة الشفافية والحد من فسادٍ نخَرَ في عظم الاقتصاد، كما أن الناس قد سئموا الرسوم غير القانونية، وتلك التي تدفع دون مقابل حقيقي، ومن المفترض أن تكون وزارة الداخلية حارسة لهذا الأمر، ولا يمكن تورطها فيه .
الأمر الثاني الذي من المفترض أن تُواكبه وزارة الداخلية هو موضوع تكريس وحماية الحريات العامة، فدستور عام ٢٠٠٥ على سبيل المثال، كان ينص بوضوح على حرية التجمع، لكن رجال المؤتمر الوطني داخل الشرطة لم يصادقوا طوال ٣٠ سنة على مسيرة سلمية مناوئة للنظام بحجج واهية، وآن الأوان لأن تضع الوزارة خطتها الواضحة التي تضمن حق الناس في التجمع وتحفظ الأمن في آنٍ واحد .
تعامل الشرطة مع المواطنين في الشارع وفي أقسام الشرطة، وإصلاح الحراسات والسجون، يحتاج هو الآخر إلى إعادة نظر، لأنه جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وبهذه المناسبة أسأل بماذا ردت الشرطة حول منشور دكتورة حرم شداد؟
االشرطة مثلها ومثل كل المؤسسات أصابها النظام السابق بأمراضه، مثل المحسوبية والرشوة، ومن المؤكد أن أفرادها ليس ملائكة، ومن الطبيعي أن يكون من بينهم من يتجاوز القانون، والمطلوب فقط من وزارة الداخلية وضع الأسس والضوابط للحد من أي تجاوزات وتشديد المراقبة والمحاسبة بأكثر مما كان في الماضي .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.