حاطب ليل..عبداللطيف البوني

وزير وسد وحاجات تانية...

(1)
الجدل في الشارع السوداني حول سد النهضة الإثيوبي كَان كَبيراً، وكما ذكرنا من قبل لقد كان الرأي الفني مُنقسماً، فهناك من يراه ذا فوائد عُظمى للسودان، لدرجة أنّ فائدته للسودان أكبر من فائدته لإثيوبيا.. وبالمُقابل هناك من يراه شراً مُستطيراً، وأنّ القبول به خيانة وطنية، بيد أنّ الرأي العام الغالب يرى في السَّد كَثيراً من الفوائد وبَعض المَضار وإن شِئت قُل مَخَاوف، وللعلاقة مع مصر دورٌ في الموقف من السد سلباً وإيجاباً رسمياً وشعبياً.
الذي كَانَ يَقلقني هو الموقف الحكومي والذي كُنت أراه مَوقفاً سِياسيّاً أكثر منه فنياً فبحثت وسالت (وجريت جاي وجريت جاي) حتى حُفيت قدماي عن الدراسة التي بنت عليها الحكومة موقفها.. من الذي قام بها؟ وما هو مُحتواها؟ وماذا كانت تَوصياتها؟ فالأمر المُؤكّد أنّه لم تَصدر للرأي العام أيّة دراسة قامت بها الحكومة مُمثلةً في وزارة الري.
(2)
قبل يومين وأنا أستمع للسيد وزير الري البروفيسور ياسر عباس وهو يتحدّث لقناة سودانية 24، فشد انتباهي فجأةً وهو يقول إنّه كَانَ ضِمن مَجموعة عَملت ولِمدّة أربع سنوات لدراسة آثار سَدّ النّهضة على السُّودان، وأنّها قد بذلت جهوداً جبّارة للإحاطة بالتّكليف الذي أُنيط بها لدرجة استخدام الطائرات لمَعرفة أراضي الجروف التي سَوف تَتَأثّر سَلباً بسد النهضة.
لم يتوسّع السيد البروف في مُحتويات الدراسة، فهل هِي من أسرار البلاد، وهل يُمكن الاطّلاع عليها كُلّها أو بعضها؟ على العُمُوم الكلمات القليلة التي تَفَضّلَ بها الوزير تشي بأنّ نتيجة الدراسة غلبت الفوائد على المَضار.
السّيّد الوزير كان من قيادات الوزارة في العهد السّابق، حيث كَانَ مُديراً لمحطة الأبحاث الهايدرولجية ولذلك ظهر بمظهر القارئ (لوحه) جيداً في المُقابلة المُشار إليها وفي مفاوضات دول السد التي جرت بالخرطوم في مطلع هذا الشهر.
(3)
دُون أيِّ شكٍّ أن البروف قَد تَسَنّم تلك الوظيفة في العهد السابق بحكم مُؤهِّلاته العالية وخبرته التّراكُمية، فهو عالمٌ في مَجَاله، وهو نموذجٌ للتكنوقراط الذي كان يَعمل بدون رافعة سياسية، وهذا لا يمنع أن يكون له اِنتماءٌ سِياسيٌّ لأنّه ليست هُناك صِلَةٌ بين وظيفته في وزارة الري وحزبه المُنتمي إليه هذا إذا كَانَ مُنتمياً.. أمّا الآن فالرجل أصبح سياسياً واحتل موقعاً دستورياً، وبانقضاء تكليفه الدستوري لن يعود تكنوقراطاً للوزارة، وأخشى أن تكون السِّياسة قد افقدتنا كفاءة علمية نادرة.
على العُمُوم، قصة السيد الوزير تدل على أنه في النظام السابق كان بالخدمة المدنية مُوظّفون عُمُوميون كِبَار غير مُنتمين للنّظام الحَاكم، وبالتّالي يُمكن الاستفادة مِنهم في تثبيت مبدأ إبعاد الخدمة العامة بشقّيها المدني والعسكري عن السياسة، أما إذا استعانت السياسة بالخدمة المدنية فأخذت أحد شُخُصوها وسَيّسته وفي ذات المجال فخيرٌ وبركةٌ، لأنّه سَيكون الأقَـدر عَلَى حِماية المَدنيين في وَزارته، بحكم أنّه واحدٌ من آكلي فُولها، وشاربي ماء برادها، ومُقرمشي مدمسها وتمرها في اجتماعاتها، وعارفي فضل سِت شَاهيها، والمُلمين بأسرارها..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.