حاطب ليل ||د.عبدالطيف البوني

حكومة.. دولة.. ثورة

شارك الخبر

(1)
مِن أبسط حُقُوق المُواطن الدستورية في أيّة دولة يحكمها القانون أن يتقلد أيّة وظيفة يكون مستوفياً لشروطها هذا فيما يتعلق بالخدمة العامة.. أمّا الوظائف السياسية وإن شئت قُل الدستورية فهذه تؤدي إليها الطرق السياسية.. ففي الحكومات الليبرالية الحزبية، الحزب الحاكم هو الذي يختار محازبيه للوظائف الدستورية بالطريقة التي يَرَاهَا في النُّظم الشُّمُولية، القيادة هي التي تتحكّم في التّوظيف بالمُؤهِّلات التي تَرَاها.. في الحالات الثورية يتم التّوافُق بين مُكوِّنات الثورة على التوظيف وفي كل هذه الأحوال تكون الوظيفة حكومية، يكون الاعتماد على الرقابة الشعبية في توجيه الأداء فيها.
أما الوظيفة العامة أي التابعة للدولة، فهذه يجب أن تُخضع لقواعد موضوعية ولا يُحرم منها شخصٌ بسببٍ خاصٍ طالما أنّه مُستوفٍ لشروطها الموضوعية، بعبارةٍ أُخرى يجب التّفريق بين الوظيفة الحكومية والوظيفة التابعة للدولة.
(2)
الوظيفة في دولاب الدولة يجب أن تكون مَفتوحةً للكافة، ولا يحيل بينها وبين المُواطن أيِّ انتماءٍ ديني أو عِرقي أو سِياسي أو… فكل المطلوب هو المُؤهّلات الموضوعة للوظيفة شريطة ألا يقوم المُوظّف بِستخير الوظيفة لأيّة منفعة ذاتية أو حزبية أو جهوية أو… فهي مُسخّرة للعامة والدخول فيها والترقي فيها والخروج منها تحكمه قوانين مُحَدّدة سلفاً، ولكن هناك وظائف مدنية تابعة للدولة قد تستثنى من التدرُّج الطبيعي أو يَحدث تجريفٌ وظيفيٌّ في إحدى الوزارات لأسبابٍ سياسيةٍ وتكون هناك حاجة لوظائف عُليا من خارج الوزارة، في هذه الحالة تتحقّق المساواة الدستورية بالإعلان عن الوظيفة في الوسائط الإعلامية ويتقدّم لها من يحمل مُؤهِّلها وتكون المُنافسة عليها عَلنيةً وتَتَحّمل الجهة أو اللّجنة المَسؤولة نَتيجة اِختيارها أمام الرأي العام، بعبارةٍ جامعة ليس من صلاحيات أيِّ وزير أو رئيس وزراء أو حتى رئيس جمهورية اختيار أيِّ مُوظّفٍ عامٍ تابعٍ للدولة بما في ذلك مُدير مكتبه أو حتى سائقه الخاص.. طبعاً هذا من ناحية نظرية بحتة، ولكن الواقع يقول بغير ذلك وحتى النظم الديمقراطية أعطت الدستوريين حَق اِختيار طواقم مكاتبها كالسكرتاية والسوّاق والطبّاخ والذي منه، لكن لا يُوجد دستورٌ ديمقراطيٌّ في الدنيا يُعطي المسؤول الدستوري الكبير حق التعيين والإعفاء (على كيفه)!
(3)
ليس من واجب الحكومات أن تقوم بأيِّ دَورٍ تَوجيهي، فالبرامج التوجيهية تضعها الدولة عبر مُختصيها، أمّا الوزارات التوجيهية مثل التربية والتعليم والشباب والرياضة والثقافة فدورها تنظيميٌّ فقط، فأية محاولة من أيّة حكومة لفرض أيِّ توجُّهات مُعيّنة عبر وزرائها يضعها ذلك في خانة الأنظمة الشمولية، ومن المُؤكّد أنّ الفشل سيكون مصيرها، وإلا لكانت النازية والفاشية مُستمرة إلى يومنا هذا.
الحكومات لا تربي ولا تثقف، إنّما تُنظِّم فقط، ومن حُسن حظنا أو سُوئه نحن في السودان جَرّبنا الخلط بين الوظيفة الحكومية السياسية ووظيفة الدولة العامّة، وجَرّبنا فَرض البرامج التوجيهية بواسطة الحكومة في فترتين، الأولى كانت في فترة مايو الأولى (عشان نبني اشتراكية)، ولكن بدرجة أوسع وأوضح في فترة الإنقاذ (إعادة صياغة الإنسان السوداني)، فكانت النتيجة كارثية وكانت الثورة الديسمبرية المُباركة..!
فيا حكومة الثورة.. “هل تخوني الثورة وتثبتي النهج الكارثي المُجرّب الذي قامت ضده الثورة؟” وأنا ما بَفَسِّر وإنتَ مَا تَقصِّر..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.