أجندة عبدالحميد عوض

(سليم البشير).. العدالة أم المزايدة؟

شارك الخبر

ما قبل سقوط النظام، كان من الطبيعي، الإصرار على تسليم الرئيس عمر البشير وصحبه المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لأن قبضة النظام وترسانة الحماية التي وفرها للمجرمين، يصعب معها محاكمة أصغر شاويش في ميليشيا من مليشيات النظام، دعك أن يكون المتهم على رأس هرم قيادة الجيش السوداني، أو وزير دفاع أو خلافه.
فلسفة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تستند على أنها قضاء تكميلي، يضمن عدم إفلات المشتبه في تورطهم في جرائم ضد الإنسانية من العقاب، إما لعدم رغبة دولهم في محاكمتهم، أو عدم قدرتها على فعل ذلك لأي سبب من الأسباب.
في أبريل الماضي، سقط نظام البشير، ومؤتمره الوطني ومن لف لفّه، وذلك عبر ثورة شعبية مجيدة، شعارها الحرية والسلام والعدالة. وخلال الأشهر الماضية خطت الثورة في تحويل تلك الشعارات إلى واقع يمشي بين الناس، وسعت لإرساء نظام عدلي جديد، بإعداد وثيقة دستورية، أقرت أول ما أقرت بمبدأ العدالة الانتقالية، ومنعت إسقاط الدعاوى بالتقادم، وفتحت الطريق لإصلاحات قانونية شاملة، عدا تعيين رئيس جديد للقضاء ونائب لعام، واختيار شخصية مؤهلة لوزارة العدل، ضمن حكومة مدنية، تستند على ميثاق الحرية والتغيير الذي ينص أيضاً على مبدأ العدالة الانتقالية، ويعني كل ذلك جدية التأسيس لعملية كلية غير مسيسة تطال كل مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بما فيها الإبادة الجماعية .
كثيرون، ورغم كل التطورات القانونية والسياسية، ما زالوا على إصرارهم، من مطلب تسليم البشير وصحبه للمحكمة الدولية، وهو أمر يحتاج لحوار هادئ، بغرض الوصول للقرار الصحيح، ولا أدري إن كان دافع أولئك البحث عن العدالة فعلاً، أم رغبة في الانتقام بحيث يكون التسليم في حد ذاته رد على عنتريات البشير تجاه المحكمة، أم أن في الأمر كله مزايدة سياسية.
لا يمكن أن تعجز دولة ما بعد الثورة عن امتلاك القدرة والإرادة على محاكمة أي شخص، وكذلك لا يمكن أن تحتاج لقضاء تكميلي ليقاضي لها 4 أشخاص متهمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإذا حدث ذلك الفشل فعلى الثورة السلام .
حجة أخرى للمنادين بالتسليم، تقول بعدم تضمن القانون السوداني لعناصر القانون الدولي، أو أنه ليس هناك قانون سوداني يتعلق بالإبادة الجماعية، وفات على أصحاب تلك الحجة، أن القانون الدولي الإنساني قانون طبيعي، يمكن تطبيقه حتى بأثر رجعي مثل ما حدث بمحاكمة نورمبرج 1945-1946.
تابعت جلسات محاكمة المعزول البشير، بتهمتي الثراء الحرام والمشبوه والتعامل غير المشروع بالنقد الأجنبي، وأكد لي أداء القاضي الدكتور الصادق عبد الرحمن الفكي، لحد كبير أن القضاء السوداني ما زال بخير، وأنه يمكن أن ينظر في كل القضايا، بما في ذلك ملف الانتهاكات الجسيمة في دارفور.
خلاصة، إذا توفرت كل الظروف المناسبه بالداخل لإنصاف الضحايا سيكون ذلك الخيار هو الأنسب والأفضل والأمثل.
سؤال مهم:
إذا سُلم البشير غداً للمحكمة الجنائية، فكيف يُحاكم في بقية الملفات الأخرى؟

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.