بدون ألوان حمدي صلاح الدين

(سيداو وكُنه التحفظ)

شارك الخبر

الأعراف والتقاليد هي التي تُسيطر سيطرةً كاملةً على كل المُجتمعات الشرقية، وجزء كبير من المُجتمعات الغربية، فالعُرف يسود على القانون في أحايين كثيرة.
العُرف هو عبارة عن مجموعةٍ مِنَ القَواعد والمَفاهيم والمَعايير والمَقاييس الاجتماعيّة المُتّفق عليها أو المقبولة لدى العامة، وغَالباً مَا تَكون عَلَى هَيئة عَادة اعتاد عليها الناس، بالإضافة إلى أنّ بعض القواعد أو العادات قد يتبدّل لتصبح قانوناً، وقد يتمّ إدخال تشريعٍ تَنظيميٍّ مكتوبٍ من أجل صياغة أو تنفيذ العُـرف.
غالباً ما تُشير كلمة العُرف إلى عادةٍ غير مكتوبةٍ يتشاركها الأشخاص في المُجتمع. تُشير القاعدة الاجتماعية في عِلم الاجتماع إلى أنّ أيّ عُرفٍ اجتماعيّ يتقيّد به الأفراد هو عادةٌ في المُجتمع، حيث إنّ هذه القواعد غير مكتوبة في القانون.
لا يُمكن تَطبيق الأعراف في المَحاكم لأنّها عادات غير منصوصة في القانون، وبالتالي عدم القيام بها لا يترتّب عليه أيّ نوعٍ من أنواع العُقُوبات إلا إذا كانت تتعارض مع أحد القوانين، لكن تجاهُل الأعراف يجلب سخط المُجتمع، فالأعراف محمية بترسانات اجتماعية قوية جداً.
في عِلمَ الاجتماع، تُشير القاعدة الاجتماعيّة إلى أنّ أيِّ عُرفٍ اجتماعي مُتّبعٍ عادة في المجتمع. وهذه القواعد ليست مكتوبة في القانون أو مصوغة بشكلٍ آخر. وفي البناء الاجتماعي، يَنصب تَركيزٌ كَبيرٌ على القواعد الاجتماعية. ويُزعم أنّ المُجتمع هُو مَن وَضَعَ هذه القواعِد، وأنّها تُؤثِّر على كُلِّ فَردٍ فيه، ولكن في بعض الأحيان يُعيد الأفراد وضعها.
حتى الأمم المتحدة في مُعاهداتها وقراراتها تختم فقرات بنودها بعبارة “وفقاً لأعراف وتقاليد البلد المعني” ذلك لوعي عام أنّ العادات لا يكسرها قَانونٌ ولا سِياسةٌ.
الولايات المُتّحدة لم تُصادق على التّوقيع على اتفاقية سيداو. وقّع الرئيس الأسبق جيمي كارتر عليها منذ العام 1980، لكن لم يتمكّن مجلس الشيوخ من إجازة الاتفاقية، فغَالبية المُحافظين الجمهوريين يرون أنّ الاتفاقية ضد الأسرة وضد الدين المسيحي وضد المرأة وضد الطفل، وعدّدوا عشرة أسباب لرفضهم تمرير الاتفاقية من مجلس الشيوخ.
إدارة الرئيس جيمي كارتر من أوائل الدول المُوقِّعة على اتفاقية سيداو عندما اعتمدتها الأمم المتحدة في 1979، غير أن توقيع كارتر لم يكن لينفّذ دُون مُصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي لم يُصدِّق للآن على الاتفاقية.
ونَاقشت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ اتفاقية سيداو خمس مرات منذ عام 1980. وفي عام 1994، عقدت لجنة العلاقات الخارجية جلسات استماع بشأن الاتفاقية، ثم أوصت بالتصديق عليها، غير أنّ عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الشمالية جيسي هيلمز، وهو من المُحافظين البارزين والمُعارضين للاتفاقية، اِستخدم أقدميته في المجلس لمنع هذا الإجراء من الذهاب إلى مجلس الشيوخ.
فشلت المُناقشات المُمثلة لإجازة الاتفاقية خلال الفترة ما بين عامي 2002 حتى 2010م في إقرار تمرير الاتفاقية من مجلس الشيوخ.
في عام 2000، قال جيسي هليمز “لا ينبغي استخدام الحق في الإجهاض كوسيلةٍ لتنظيم الأسرة”، في إشارةٍ لما تنص عليه بنود اتفاقية سيداو، واصفًا إيّاها بـ”الاتفاقية السيئة والمُعادية للأسرة”.
ويستند المُحافظون الأمريكيون في خطابات الاعتراض على الاتفاقية، بوصفها اتفاقية تتعارض مع القانون الدّستوري للبلاد، لأنّ التوقيع على الاتفاقية قد يستدعي تمرير تعديلات في الدستور الأمريكي لمواد ربما تحتاج إلى نقاشاتٍ اجتماعيةٍ طويلة.
وفي عام 2002، قال الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، إنّ اتفاقية سيداو “مرغوبة بشكل عام ويجب المُوافقة عليها”. غير أنّ ضُغُوط اليمين المُحافظ، أدّى إلى تَراجُع بوش عن مَوقفه فَخَرَجَ وزير الخارجية آنذاك، كولن باول ليصف الاتفاقية بـ”المُعقّدة والغَامِضة”، قبل أن يتراجع بوش عن إرسال المُعاهدة لمجلس الشيوخ للتصديق عليها.
الفاتيكان وبابا الكاثوليك رَفَضَا الاتفاقية على الرغم من أن الفاتيكان ليس عُضواً في الأمم المتحدة.
احترام العُرف في المَواثيق الأممية أثَارَ جَدَلاً بين العُرف وحُقُوق الإنسان في خَطٍ رفيعٍ جداً بينهما.
الأعراف تتنمّر وتَستأسد حَتّى عَلى القَوانين، فعدم دخول العَسكر لحرم الجامعة “عُرفٌ” طَغَى على “قانون” فترك العساكر القانون والتزموا بالعُرف، لأنّ كسر العُرف يجلب لك سخط كل المُجتمع ويُحوِّلك إلى مرامي نيرانٍ كَثيرةٍ، المَنطق لن يَجعلك تكسبها. ذلك حتى تمّ وضع هذا العُرف في كودات أهل القانون فأصبح قانوناً.
و”فراش البكاء لشهرٍ” عُرفٌ طغى على الدين حتى أنّ بعض الفقهاء يحرم” فراش البكاء”. هذا العُرف مُستمرٌ لأيّامٍ وليالٍ في الريف السوداني حتى اليوم وإن كان الفارشون أهل صلاة وصلاح وتقوى، إلا أنّ تجاوُزهم “فراش البكاء” يضعهم في مرامي نيران المُجتمع. إذن هذا “عُرفٌ” طَغَى على “الدين نفسه” وهذه الأمثلة تُبيِّن لك القوة المُجتمعية التي تحرس الأعراف بوعي أو عدم وعي. المُهم أنّها قُوةٌ كبيرةٌ راسخةٌ مَتينةٌ.
لِذَلك مِنَ الصُّعوبة بِمَكَانٍ تَحويل مُجتمعٍ شَرقي إلى مُجتمعٍ غَربي بِدُون الاِستناد إلى المُجتمع نفسه ودراسة أعرافه وتقاليده، والعكس أيضاً لا يُمكن تَحويل مُجتمعٍ غربي إلى مُجتمعٍ شرقي بفعل السَّاسَة فقط وهو ما يُسمى الهُبُوط من أعلى، لأنّ الأولى هو الصعود من أسفل أي البداية من المُجتمع حتى الوصول إلى النخب والسَّاسة.
أَسُوق هذه المُقدِّمة بشأن ما شَاعَ في الساحة حول صراعات صغيرة قد تتحوّل إلى مَعارك كبيرة عن (اتفاقية سيداو) .
الصراع حول سيداو الآن (صراعٌ قانونيٌّ) مُنتهاه (هل التحفظ على بندٍ من بنود الاتفاقية لا يتماشى مع أعراف وتقاليد البلد المعني ولا يلزمه بتنفيذ هذا البند؟).
هناك اتفاقية سابقة لاتفاقية سيداو تُشير إلى أنّ (التّحفُّظ يجب إلا يمس جوهر الاتفاقيات).
الطريق الأمثل أن تُقدِّم الدول التي أبدت تَحفُّظات على بعض بُنُود الاتفاقية مُذكِّرة إلى مَحاكم الاختصاص داخل مَنظومة الأمم المتّحدة لاستصدار فَتوى حول (ماهية التّحفُّظ ومَدلولاته).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.