د/ راشد محمد على الشيخ*

أثر التغيير في السودان على السياسة الخارجية

شارك الخبر

 
أدى التغيير في نظام الحكم في السودان
الى تسليط الضوء على مجمل أزمات السودان الداخلية والخارجية . إذ أظهر هذا التغيير مدى قوة الإرادة الشعبية
التي تمثلت في الدافع نحو عملية التغيير؛ وساعد في عملية التغيير الصراعات الداخلية للنظام السابق ونمو
مصالح الصف الثالث على حساب المكون الفكري للحزب.
ويعد ذلك من أخطاء البناء التنظيمي الذي تتسم به الأحزاب في السودان .
إن أزمة السودان ما قبل التغيير تمثلت في سواء إدارة الدولة وإفراغ محتواها من مجريات السيطرة على الأحداث مما ادى الى استغلالها في الصراع الداخلي
الشيء الذي أثر مباشرة على تفاصيل الحياة اليومية للمواطن البسيط . وامتد اثر إفراغ مؤسسات الدولة من مهامها الى تنامي الأدوار الخارجية المؤثرة على قرار الدولة في مكوناته الإجرائية ويدل ذلك على هشاشة التطبيق والتحليل للخطط الاستراتيجية للدولة وانعدام وزن
وبناء وتنظيم وإدارة الدولة وهذا بالضرورة يؤثرعلى كفاءة إدارة الدولة حال وقوع الأزمات وذلك لحدوث ما
يعرف بتفاعل عناصر القضايا المترابطة وهذا الأثر ينتج من إهمال قراءة مؤشرات تهديد نظام إدارة الدولة من قبل مجموعات المصالح ذات النفوذ المادي في مركزية إدارة الدولة وبالضرورة يؤدي هذا الشكل من التعامل الى تآكل مرابط التنسيق بين مكونات نظام إدارة الدولة، وهذا يدل
على قوة عناصر التفكيك من مفاصل القرار بالدولة مما يتيح الفرصة للتهرب من الرقابة وأجهزة تنفيذ القانون
وذلك لمصلحة الصراع ومجموعات السيطرة خارج أجهزة الدولة .
وعلى اثر ذلك انتبه العالم الخارجي كليٍاً الى أزمات السودان الداخلية وأصبح يعمل على تعلية فرص المصالح الذاتية للمكون الفردي المتوافق مع مصلحة دولته وبناء مراكز قوة داخلية لتحييد مؤسسات الدولة ومن ثم العمل على انشاء وتكوين المصالح الخاصة لمجموعات بسيطة على حساب أجهزة ومؤسسات الدولة ؛ وهذا يدل على حالة الصراع والمطامع من دولة تعمل على استغلال أوضاع السودان لتعزيز فرص مصالحها الضيقة. ومن خلال عملية التغيير يتضح اتجاه العالم في قراءة ، مؤشر الدولة أثناء التغيير وفي ذلك رصدت الدول حالة التفاعل بين مكونات التغيير ورصدت العلاقة بينهم وبدأت في حساب النتائج والتي دائما ما تأتي في إطار تدعيم المصالح على حساب التغيير الافتراضي .
ويتجلى ذلك في تكثيف القيود الخارجية للاشكالات والأزمات والقضايا الداخلية مما يؤدي الى تركيز الجهود في السياسة الخارجية على حساب السياسة الداخلية لدولة كانت تعاني إشكالات داخلية تراكمت بفعل سوء التقدير الظرف الزماني والظرف المكاني . وفي هذه الحالة يتم تدعيم مقومات الصراع الداخلي فيما يلي إعادة انتاج الأزمات المتكررة وإبعاد عملية الإصلاح من مؤسسات الدولة .
وبقراءة مكونات القيود الخارجية نجد انها ترتبط ببعدي التركيز في عناصر الدولة ما قبل التفاعل وهما الاقتصاد والسلام، فالأول يمكن ان يؤدي الى تطوير الدولة حال إيجاد الحلول المناسبة لإشكالياته والثاني أصبح قاب قوسين او أدنى من الاكتمال باعتباره جزءاً من عملية التغيير السياسي ؛ ولكن ادارة أمر الاقتصاد ترتبط بآخرين لهم المقدرة على ضبط تحرك الدولة من خلال تحديد حجم مصالح الدولة في منطقة التحرك مع الإبقاء على حالة السكون فيما يلي تطوير موارد الدولة والتعامل معها، وهذا ما يسمى تحقيق السيطرة عبر إخفاء مطلوبات التطوير والتعامل مع ظواهر الأزمة ومنع اشتعال الحريق الذي يسهم فيه بشكل كبير موقع الدولة الجغرافي ومدى
تأثيرها في الإقليم .
أما في البعد الثاني عملية السلام فهي تعني اعادة تكوين الدولة وإلحاق مناطق النزاع بعد ترفيعها الى مستوى السلام وهذا يتطلب جهدا داخليا يتمثل في بناء
السلام ودفع مستحقاته عبر التزامات محددة وفقا لاتفاقية السلام وهذا ما يمكن ان يكون مقوياً لعناصر بناء الدولة
وخاصة بعد إعادة الضبط الاجتماعي والامني والعسكري الى نظام ادارة الدولة .
إن اتجاه التفكير في السياسة الخارجية للسودان ينبغي ان يتجه الى أعلى درجات التقدير السياسي لعملية
انفتاح الدولة وتحقيق تأثير الدولة على الإقليم عبر تجميع عملية السلام في المحور الافريقي والسعي باجتهاد لتنفيذ
استراتيجية الاتحاد الافريقي في 2020 (إسكات صوت البنادق) وفي ذلك يجب الاستفادة من عناصر التكوين الداخلي للسودان وترفيع مدى مقبولية التوجه للفترة الانتقالية ومن ثم الترويج للسودان عبر تنشيط الدبلوماسية وترفيع أدوارها الادارية الى مستوى السياسة التنموية
وجذب المصالح وتشكيل رؤوس الأموال وتجميع المصالح وبناء قواعد الترابط الاستراتيجية على مستوى الجوار الاقليمي الاولي وإعادة تسويقه الى تكامل أنظمة الاقليم في الأمن القومي والمصالح المشتركة ومن ثم العمل على صناعة الفرص من خلال تحديد الشواغر والعمل الوصول
اليها عبر نافذة الدبلوماسية الحية المتفاعلة مع الأزمات باتجاه الحلول ومع المصالح باتجاه تحقيقها ومع المهددات باتجاه منعها.
إن أثر التغيير الداخلي في السودان ينبغي ان يرتكز على إعادة انتاج الدولة وضبط وظيفتها الإدارية والسياسية والتنموية من خلال العمل على نظام ادارة الدولة المتكاملة والذي يشمل كل ما يؤهل الدولة على ادارتها آلياً وفقاً لقاعدة التفاعل القائم بين الأرض والسكان والسلطة، ومن ثم التعامل مع المجال الحيوي للدولة باحترافية عالية من خلال (تصغير مهددات الدولة)،
وذلك لزيادة فعالية التنامي المتناغم لمصالح العالم في مجالها الحيوي وبيئتها الخارجية. إن البيئة الخارجية للسودان هي مجموعة فرص شاغرة تحتاج الى دولة ذات مقدرات عالية تتعامل
مع شواغر المجال الحيوي للإقليم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.