القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، خالد عمر يوسف لـ(السوداني): لا إصلاح اقتصادي بدون سلام شامل وعادل

حوار : محمد عبدالعزيز

  • هناك ارتباط وثيق بين السلام والإصلاح الاقتصادي، إلا أن الحقيقة أن ملف السلام يمثل أولوية لسكان مناطق النزاعات فيما تمثل معالجة التدهور الاقتصادي أولوية لبقية المناطق التي تشعر بأن التغيير المنشود لم يتحقق بعد وأن أوضاعهم المعيشية تزداد صعوبة؟

  • هاتان القضيتان ترتبطان ببعضهما البعض بصورة وثيقة. لا إصلاح اقتصادي بدون سلام شامل وعادل، كما أن استدامة السلام تتطلب تنمية متوازنة وحقيقية. أعتقد أنه من غير الموفق أن نضع القضيتين في تقابل بمنطق أولهما يأتي قبل الآخر والأفضل أن تسير الجهود فيهما كتفاً بكتف.

  • ألا تعتقد أن قوى الحرية والحكومة ليست لديها رؤية اقتصادية موحدة خاصة فيما يلي مسألة الإصلاحات على سبيل المثال (رفع الدعم)؟

  • قوى الحرية والتغيير عبرت عن برنامجها الاقتصادي في الإعلان الموقع في 1 يناير 2019م، وفصلت هذا الإعلان في البرنامج الإسعافي الذي سلمته لرئيس الوزراء في 15 أكتوبر 2019م وفي مذكرتها حول موازنة 2020م التي سلمتها في 26 ديسمبر 2019م. في كل هذه الوثائق عبرت الحرية والتغيير عن موقف اقتصادي واضح يحمل الدولة مسؤولياتها الاجتماعية وضرورة انحيازها للفقراء وحمايتهم من تغول السوق على معاشهم. هذه الرؤية تنظر لقضية الدعم من منظور مختلف عما هو مطروح في النقاشات، فنحن نعتقد أن واجب الدولة أن توفر السلع بصورة تكون في متناول يد الجميع، وأنه ما من دولة في العالم تتخلى بالكامل عن أي دعم كان، وأن المطلوب هو إصلاح نظام الدعم لا رفعه، إصلاحه ليذهب ليد من يستحقونه وليشجع الإنتاج لا الاستهلاك.

  • ألا تمتلك قوى الحرية الجراءة السياسية للقبول بسياسات وزير المالية أم أن لديها بدائل اقتصادية مناسبة؟

  • طرحت قوى الحرية والتغيير برنامجاً متكاملاً لزيادة الإنتاج وترشيد الاستهلاك والمصروفات الحكومية، وعلاقتها بوزير المالية ليست علاقة تنافس أو تناحر بل علاقة تحاور من أجل صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية الأوفق لبلادنا وشعبها.

  • كيف تقيم تجاوب ودعم المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية، لم ترفع العقوبات ولم تأت قروض تنموية، ألم يكن هناك مبالغة في تصور الدعم الخارجي؟

  • من المهم أن تركز سياساتنا العامة والاقتصادية خصوصاً على الجهد الداخلي وعلى مواردنا التي تتوفر بكثرة في بلادنا، الاعتماد الزائد على الدعم الخارجي يؤدي لحالة تراخٍ في اعتمادنا على الذات وهو أمر غير صحي البتة. علاقاتنا الخارجية تمر الآن بمرحلة تعافٍ بعد طول عزلة وقطيعة خارجية، ولا زلنا نأمل في تغيير شركائنا الدوليين لمواقفهم المسبقة تجاه السودان ولابتدار سياسات جديدة تقوم على المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية ومصلحة الشعوب، فالتغيير الذي حدث في السودان يمثل فرصة لا لشعبنا وحده بل لسائر المنطقة التي ننتمي إليها لنصير عامل تماسك واستقرار فيها على عكس ما مثله النظام البائد.

  • تصريحات عضو مجلس السيادة حميدتي حول أن بعض مواقف وتصريحات قوى الحرية عطلت الدعم الإقليمي؟

  • بعض التصريحات الإعلامية التي تصدر ضد دول جارة مثل السعودية ومصر والإمارات تضر بمجهودات الحكومة الانتقالية في إصلاح علاقاتنا الخارجية التي خربها النظام البائد. من مصلحتنا ألا نستبدل مشاريع العداء الإقليمي والدولي التي حملتها الجبهة الإسلامية وأضرت بها بالسودان بمشاريع عداء مماثلة تجاه دول جارة لا سبيل لنا سوى العمل معها على صياغة سياسات مشتركة تعود بالسلم والأمن والرخاء على شعوب المنطقة وتقوم على احترام وصون السيادة الوطنية لكل بلدان المنطقة.

  • لا تقدم كبير في ملف السلام ولا تحسن في الأوضاع الاقتصادية؛ ماهي خارطة الطريق؟

  • هنالك تقدم كبير في ملف السلام مع الجبهة الثورية السودانية وقد اكتمل ما يقارب نسبة الـ 90٪ منه، وهنالك اتصالات وحوارات بناءة بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد ونثق أنها ستثمر سلاماً شاملاً متى ما توحدت الإرادة الوطنية سعياً له. هنالك مجهودات اقتصادية أيضاً لا تخطئها العين ستتوج بالمؤتمر الاقتصادي نهاية الشهر والذي نأمل أن يثمر انطلاقة وطنية نحو مواجهة صعاب الاقتصاد بما يضع حلولاً ناجعة لها.

  • كيف تبدو العلاقة مع لجان المقاومة وكيف ستستمر مستقبلا؟

  • لجان المقاومة هي صيغة شعبية مبدعة ساهمت في نجاح الثورة وينتظرها عمل دؤوب في حراستها واستكمال مهامها وهي تتشارك مع قوى الحرية والتغيير ذات المشروع ولا زالت تلتف حول إعلانه. هنالك قضايا موضوعية تتباين فيها الرؤى وهنالك جهات تسعى لإحداث القطيعة بين الحرية والتغيير ولجان المقاومة ولن يستفيد من القطيعة سوى القوى التي تريد إجهاض الثورة. ننخرط هذه الأيام في حوارات مكثفة مع اللجان ونعمل للإعداد لمؤتمر تداولي نأمل أن تشارك فيه بفعالية لمراجعة المسار وتوحيد الرؤى حول قضايا الراهن والمستقبل.

  • إزالة التمكين والفساد لم يحقق نتائج ملموسة حتى الآن؟

  • لا أشاركك الرأي في ذلك، فلجنة تفكيك التمكين هي أحد أنشط الجبهات التي تعمل فيها السلطة الانتقالية وقد حققت تقدماً ملموساً في الأسابيع الماضية التي تلت إجازة قانون تفكيك نظام الإنقاذ. التمكين والفساد هما ميراث النظام البائد الأبرز وهما وحش له جذور عميقة استثمر فيها النظام لثلاثين عاماً “يوم ينطح يوم” وتفكيكه سيستغرق زمناً وهي مهمة جوهرية لن ننجز شيئاً ذا بال ما لم ننجزها على الوجه الأمثل.

  • كيف تنظرون للعلاقة مع عناصر النظام السابق؟

  • بينهم وبين شعبنا سوح العدالة التي ترد المنهوب وتضع النهاية لميراث الاستبداد والفساد.

  • هل تميز قوى الحرية بين الإسلاميين كتيار سياسي والمجموعات التي كانت جزءاً من النظام السابق؟

  • يجب أن لا ندين كل الإسلاميين بجريرة النظام البائد، من فسد أو سرق أو قتل أو ساهم في تعزيز الاستبداد وتمت إدانته هو من يجب أن يحاسب ويعزل، أما الإسلاميون الذين لم يتورطوا في هذه الفظائع فلا يجب أن يتم وضعهم في ذات سلة النظام البائد، لهم كافة الحق في العمل السياسي ونشر أفكارهم والحوار مع تيارات المجتمع الأخرى لطالما كان العمل السلمي الدستوري منهجهم. نختلف مع أفكارهم ونظن أن الإسلام السياسي كمنهج دمر البلاد وفككها وأنه لا مكان لدولة دينية في السودان من جديد، هذا الخلاف نديره بالفكر والقول لا بالتدابير الأمنية أو بالإقصاء وقهر آلة الدولة.

  • كيف سيتم التعامل معهم سواء على المستوى السياسي أم المشاركة في السلطة التشريعية؟

  • من لم يفسد أو يسرق أو يقتل أو ساهم في تعزيز الاستبداد فله كامل الحق في المشاركة السياسية والمشاركة في السلطة التشريعية.

  • في ظل تعقيدات السلام والمشهد السياسي لقوى الحرية هل بات هناك تصور واضح لتوزيع مقاعد البرلمان؟

  • نعم .. فرغت لجنة كونتها الحرية والتغيير من وضع تصور شامل لتوزيع مقاعد البرلمان الانتقالي يمثل جميع الولايات حسب ثقلها السكاني ويشرك كافة قطاعات المجتمع وشرائحه وقواه السياسية التي لم تسقط مع النظام السابق. هذا التصور يخضع لنقاشات مع المكونات الأخرى ذات الصلة ونأمل أن نتجاوز كل العقبات التي تقف في طريق تشكيل البرلمان لأن غيابه ساهم في تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وصعب مهمة السلطة الانتقالية في مجابهة التحديات التي اعترضت طريقها.

  • ترشيحات الولاة وتأخر تعيينهم أثارا موجة استياء؟

  • منذ منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي فرغت قوى الحرية والتغيير من اختيار الولاة عبر عملية ابتدرتها من الولايات التي رشحت عبر تنسيقياتها مرشحاً أو أكثر وفق معايير مكتوبة استلمتها تضمن الكفاءة والنزاهة وفهم تركيبة الولاية وقضاياها، والتزم المجلس المركزي للحرية والتغيير بالاختيار حصراً من ضمن مرشحي الولايات ومن ثم أودع الترشيحات لدى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ما أعاق تعيين الولاة هو إصرار الجبهة الثورية على تأجيل تعيينهم لما بعد توقيع اتفاق السلام الشامل وقد طرحت قوى الحرية والتغيير والحكومة عبر وفدها المفاوض تكليف ولاة مؤقتين لحين توقيع اتفاق السلام ولكن الجبهة الثورية رفضت هذا المقترح أيضاً. الموقف الآن هو أن القائمة جاهزة لدى رئيس الوزراء والثورية لا زالت متمسكة بموقفها وأتمنى أن نجد حلاً عاجلاً لهذه المعضلة.

  • كيف ستتعامل قوى الحرية مع الاستحقاق الانتخابي بعد نهاية الفترة الانتقالية؟ هل ستنزل كتحالف موحد؟

  • لا يستطيع أحد أن يتنبـأ منذ الآن بما سيحدث حين تأتي الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية. نزول الحرية والتغيير في قائمة موحدة يعتمد على الوضع السياسي في حينها والمهام والأهداف المترتبة عليه، كما أن النظام الانتخابي الذي سنتوافق عليه يلعب دوراً أيضاً في طريقة الترشح للانتخابات. أؤكد لك أننا سنظل موحدين حتى تحقيق كافة مهام إعلان الحرية والتغيير الذي تواثقنا عليه، وسنعبر جسر الانتخابات حين نصل إليه.

الجولات السياسية الأخيرة للمؤتمر السوداني هل تأتي في سياق الترتيب للانتخابات؟
– الأصل في العمل السياسي أن تتواصل مع الناس وتتجول لتصل مواقعهم وتحاورهم وتلتصق بقضاياهم سواء كانت هنالك انتخابات أو لم تكن. بسقوط نظام الإنقاذ توفرت مساحات هائلة في الفضاء المدني للبلاد تنتظر أن نشغلها بالنشاط والمبادرات والحوارات ومشاريع بناء مؤسسات ديمقراطية جماهيرية ترسخ البناء المدني وتمنع أي شكل من أشكال الردة. اعتقد أن السؤال هنا لا يجب أن يوجه للمؤتمر السوداني الذي يقوم بدوره الطبيعي، بل علينا أن نحث كل قوى المجتمع المدني الأخرى أن تسرع الخطى في القيام ببناء منظوماتها الشعبية التي تعبر عن الناس وتلتصق بقضاياهم وأن تشغل المساحات الهائلة التي تنتظر من يقوم بملئها.

هناك مخاوف من حدوث ردة في العملية الانتقالية سواء من النظام السابق او من أحد أطرافها؟
– بكل تأكيد فإن النظام البائد لا زال متواجداً ويسعى لإفشال الثورة والمرحلة الانتقالية واستعادة سطوه على البلاد، وأن هنالك قوى عديدة داخلية وخارجية لا يروقها التحول الديمقراطي في السودان وتسعى لاستنساخ مشاريع أحادية جديدة في البلاد. هذه المحاولات ستفشل إن حافظنا على وحدتنا وتنظيمنا وتصميمنا على السير في طريق التغيير الشامل حتى آخره.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.