طرف ثالث

(1 )
تظل مجزرة بيت الضيافة في يوليو 1971 من أكثر الأحداث الدامية المثيرة للجدل في تاريخ السودان الحديث. فالنميري بمجرد خروجه من الأسر للرئاسة مرة أخرى كان رافضاً لأي فاعل غير الشيوعيين وتبلور الرأى العام في ذات الاتجاه وكانت قرائن الأحوال تدعم ذلك. فالأسرى الذين اغتيلوا جمعهم واعتقلهم وحرسهم نظام هاشم العطا ولكن تبقى المشكلة في أن قادة الحزب الذين تم إعدامهم لا يد لهم في المجزرة لا بل بعضهم لم يشارك حتى في تنفيذ الانقلاب مثل الشفيع أحمد الشيخ وبابكر النور وفاروق حمد الله أما جوزيف قرنق فقد كان طريح الفراش فأصر أحد خصومه من الجنوبيين على إدراجه في قائمة الإعدام. بعد أن استعاد الحزب الشيوعي أنفاسه بدا يتبرأ من مجزرة بيت الضيافة وينسبها للدبابة التي أتت لإخراج نميري من الحبس . فعاد الجدل حول الفاعل, ولأستاذنا البروفسير عبد الله علي إبراهيم وبرنامج مراجعات للأستاذ الطاهر حسن التوم وكتاب الأستاذ الرائد معاش عبد الله ابراهيم الصافي ومساهمات أخرى الدور الكبير في إحياء ذلك الموضوع ومن خلال ذلك برز أن هناك احتمال وجود طرف ثالث وهو جهة انقلابية مستقلة عن النميري وعن هاشم العطا هو الذي قام بتلك المجزرة ولكن حتى اليوم لم يحسم الأمر.
(2 )
مناسبة القصة أعلاه هوالجدل الذي دار ويدور الآن عقب المحاولة الفاشلة التي تعرض لها الدكتور حمدوك يوم الإثنين الماضي فحاضنة الحكومة ق ح ت أجمعت على أن “المتهم”.. هم بقايا النظام السابق لخدمة أهدافهم السياسية وجماعة النظام السابق تقول إن ما تم مسرحية لتحقيق مرامي سياسية وهذا التباري في هذه المسألة يدل على الاستقطاب الحاد الذي وصل إليه الواقع السياسي السوداني ولعله من طبيعة أي سلوك سياسي ولكن المشكلة في أنه يغبش الرؤية ويعطي حماية لجهة أخرى قد تكون قامت بالعملية أي قد يكون هناك طرف ثالث ذكي أراد استثمار ذلك الاستقطاب ففعل فعلته. وهناك لا بد من إعطاء الفرصة للجهات المنوط بها تنفيذ القانون كالشرطة والنيابة العامة والقضاء بأن تقوم بعملها دون أي تدخل وحمايتها من التأثر بالاستقطاب السياسي . فالآن تم تقييد القضية ضد مجهول وغداً قد تصل الجهات المعنية للفاعل الحقيقي والذي قد لا يكون في الحسبان الآن, وربما لن تصل تلك الجهات إلى مرحلة توجيه الاتهام لجهة محددة وتظل تدور في دائرة الاشتباه فالباب مفتوح على جميع الاحتمالات وقد يستمر الجدل عشرات السنين كما هو الحال في حادثة بيت الضيافة وحادثة منشية البكري مع الزعيم جمال عبد الناصر التي مازال الاختلاف حولها مستمراً هل قام بها جماعة الإخوان أم مسرحية رغم مرور قرابة السبعين عاماً عليها.
(3 )
إذن ياجماعة الخير غداً قد تسكت جهيزة قول كل خطيب أو قد لا تفعل فالمطلوب منا حكومة وشعباً أن نتجاوز هذة الحادثة بأعجل ما تيسر كما فعل الدكتور حمدوك نفسه إذ جلس على مكتبه وواصل عمله بعد أقل من ساعة من الحادثة ولنمضي لاستكمال بقية المهام فما أكثرها وما أشرسها وما أكبرها , دعونا نتخذ من هذه فرصة لتقليل الاستقطاب بدلاً من زيادته فالاستقطاب يعطي براحاً واسعاً لأصحاب الأجندة الخفية ليفعلوا فعلتهم فبلادنا هذه متربص بها رغم ما بها وما عليها فاللهم احفظ السودان وأهل السودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.