رسالة الى “قحت”: .. ولما يبلغ الاحتقان السياسي ذروته !!

د. عصام بطران

? حالة الاحتقان السياسي التي تتصاعد وتيرتها اليوم تلو الاخر ينعكس سلبا على المؤسسات المتماسكة وعلى وجه الخصوص تراجع الاداء العام في الخدمات المقدمة للمواطن من مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على حد سواء .. وقد تكون تلك الحالة احدى اسبابها الصوت العالي لحلحة القضايا السياسية نتيجة التنافس الحاد بين الفرقاء السياسيين وتقاطع مصالحهم الذاتية والايديولوجية ..

والاحتقان السياسي لايطل الى واجهة الفعل الديناميكي الا بعد مؤشرات ضعف خيوط التسوية الامنة التي تضمن سمعة الدولة وتنعدم فيها طموحات التفاؤل وينتج عنه حالة من التشاؤم وانقطاع الامل المرتجى من كل تغيير قامت به الاوساط الاجتماعية من جراء الإختناق الاقتصادي والركود .. هذا التناكف ليس الوحيد الذي يسبب حالات الاحتقان السياسي بل تلعب التصريحات الحادة بين النافذين في الحكومة وقادة المعارضة الداخلية واقطاب الممانعة الاقليمية والدولية بل تسبب ايضا قلقا اساسيا لتازم حالة الاحتقان السياسي ..

? يدرك المحيطين بمفاصل العملية السياسية في البلاد ان حالة الاحتقان السياسي قد بدات تطل براسها على المشهد السياسي السوداني .. فمهما يكن من احداث سبقت او تلت التغيير فان السياق السياسي الذي اعتمده “صقور” قوى الحرية والتغيير قد شكل مصدرا اساسيا للتوتر انعش سوق الخلافات التي لا يمكن الاتفاق حولها الا بالنسيان وسيادة روح التصالح الوطني .. اذ ان هذا النسيان كان قد حصل بنجاح رغم الخلافات والصعوبات في دول اخرى عانت كثيرا وبدرجات “متحجرة” من الاحتقان السياسي ولكنها التزمت جانب المراعاة للوطن وحالة الاستنزاف الاجتماعي التي يعانيها المواطنين .. صارت قوى الحرية والتغيير تتصرف بعقلية المنتصر امام مهزومين وهي لاتدري مقدار التكافوء السياسي في حال ان الطرف ان المتضرر من سياساتها استشعر قبوله بالتسوية رغم مخاوفه ولكنه لا يقبل أن تفرض عليه الهزيمة في لحظة سياسية غير مؤاتية لجميع الاطراف دون استثناء ..

? قوى الحرية والتغيير على الرغم من انها تحالف فضفاض لاتجمعه ادنى درجات البناء بينما كل اجماعهم ودونه سقط المتاع على الهدم لتيار سياسي عريض موجود على الساحة السياسية بقوة .. اليس من ضمن مكونات ذلك التحالف حزب رشيد او سياسي مجيد يجري قراءات سريعة لمالات الاحتقان السياسي في حقب الحكم المدني الثلاثة .. وبينها كانت فترة انتقالية اخرجت البلاد الى حكم ديمقراطي دون تقاطعات او ارتباك في المشهد السياسي كما يحدث الان .. اذ ان كل القراءات والمقاربات السياسية تؤكد ان خواتيم الفترات الثلاث كانت بفعل الاحتقان السياسي .. ففي ١٩٥٨م سلم فصيل من المدنيين السلطة الى القوات المسلحة بعد تناحر حزبي مقيت .. ثم في ١٩٦٩م لم يكن لليساريين ان يستلموا السلطة عبر بوابة القوات المسلحة الا بفعل تازم مشهد الاحتقان السياسي .. وفي ١٩٨٩م لم يكن للاسلاميين ان يستلموا السلطة عبر بوابة الجيش الا بفعل التكلس الذي اصاب مفاصل الحكم المدني بفعل الاحتقان السياسي ايضا ..

? اليس هذا مدعاة الى ان يتغير الاسلوب والمنهج .. الا ترى قوى الحرية والتغيير انهم يسيرون في نفس الطريق الذي يهزم قواعد الحكم المدني في البلاد .. الم يكن هناك طريقة اخرى لبداية عهد جديد يدعو الى التصالح الوطني على ثوابت متينة من التفاهمات السياسية .. اليس من الافضل قطع الطريق اما دوامة “اسجني” و”اسجنك” .. الا يمكن ان تمهد “قحت” الطريق للتصالح الوطني بدلا عن الانتقام وروح الانتصار للذات .. الم تكن تجارب الماضي درس يستفاد لوقف الدائرة الجهنمية .. كلها اسئلة تحتاج للاجابة ؟؟ .. اذا كان الاعتذار عن فعل مضى غاية الغايات التي تحقق الامان للوطن فان قوى اليسار انتهجت نفس السبل التي انتهجتها قوى اليمين للوصول الى الحكم عبر بوابة الجيش .. فكل القوى والنخب السياسية السودانية جميعها دون استثناء مطالبة بالاعتذار للشعب السوداني .. لان تفكيرها كان على نحو ضيق ينظر للفعل الذاتي كانه فعل عام دون نظرة الى الوطن الجريح الذي مازال يئن من فعل النخب السياسية بكافة اطيافها دون فرز .. اليوم قوى الحرية والتغيير هي الحاكم الذي يتولى امور الحكم وباتت تكرر في نفس الوسائل التي تؤجج مكامن الاحتقان السياسي وحتما ستمر ايام قلائل ان كان في العمر بقية وستكتب رواية اخرى عن اعتقالات وتصفية حسابات و”فش غبائن” .. ولكن من نوع اخر نتيجة الفعل الحالي ل”قحت” .. فقط سيتم استبدال “السجين” ب”السجان” وهكذا دواليك !! .. الاحتقان السياسي لايفيد الوطن بقدر ما تفيده القرارت الشجاعة بتجاوز المرارات والتفاهم من اجل المواطن المغلوب على امره وتمكين ارادة العيش المشترك لتكون اقوى من كل الخيارات والتحريضات ذات المصدر الخارجي التي تعمل بجهود حثيثة لاثارة الفتن وتقسيم ماتبقى من الوطن وحينها سنقول كان هنا وطن !! ..

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.