إبريل 1985 انتفاضة ملفوفة بالنسيان (1 من 3)

حوار : محمد الشيخ حسين

هبت الخرطوم في إبريل 1985على مدى ثلاثة أيام وضاقت شوارع العاصمة المثلثة بما رحبت بالمتظاهرين والمنتفضين والمتذمرين من جور الحكم وقسوة الحياة آنذاك حتى تهاوت أركان الحكم المايوي، بإعلان الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، استيلاء القوات المسلحة على السلطة، انحيازاً للشعب الذي انتفض ضد من قهره.
ما الجديد الذي يقال بعد 35 عاماً على انتفاضة هزت العالم واصطدم الحديث عنها بعقبة تراكم إعجابي ضخم توزع شرقاً وغرباً. لكن يبدو أن انتفاضة إبريل مع مضي السنوات مثل من دخل طوعاً أو كرهاً في غياهب النسيان.
وليس هدف هذا الحوار الثلاثي أن يلهث وراء تفاصيل انتفاضة هزت العالم، بل يسعى لإعادة مناقشة الحدث بصورة لا تنحاز لنظرة الإعجاب أو تعمل على نقضها، بل تحاول أن تربط أبعاد الزمن الثلاثة لعلها تقدم إضاءات ومداخل جديدة للعمل السياسي السوداني.
وقبل أن يلف النسيان ملف انتفاضة إبريل نوضح أن هذا الحوار قد شاركت فيه أطراف إبريل الأساسيين الثلاثة.
فمن المجلس العسكري الانتقالي استضافتنا أريحية اللواء حمادة عبد العظيم حمادة. ومثل الحكومة الانتقالية الدكتور أمين مكي مدني وزير الأشغال.
أما قائد الانتفاضة (الحقيقي) التجمع الوطني فقد تكلم أصالة عنه الدكتور عدلان أحمد الحردلو رئيس نقابة أساتذة الخرطوم آنذاك، والتي استضاف مقرها كل المفاوضات التي قادت إلى تشكيل الحكومة الانتقالية.
ولسنا في حاجة إلى تأكيد أن آراء المشاركين ليست هي بالضرورة آراء الجهات التي شاركوا فيها أو مثلوها. أما اختيارهم فقد تم لأسباب قد تكون واضحة عند قراءة إجابتهم، وإلى الحلقة الأولى من هذا الحوار:

محمد الشيخ حسين
*الخطوة التي قام بها الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب ورفاقه باستلام السلطة في السادس من إبريل 1985 كيف تفسرها، هل انحازوا فعلا للشعب أم أن جنرالات مايو أنقذوا أنفسهم في اللحظة المناسبة؟ وهل يمكن اعتبار الخطوة أنها حركة لامتصاص غضب الجماهير؟

إجابة اللواء حمادة:
التفسير الوحيد لهذه الخطوة أنها تلبية لنداء الواجب والوطن والضمير والإحساس بالمسؤولية. وبأي حال لا يمكن تفسيرها بأنها محاولة لامتصاص غضب الجماهير، لأنها إن كانت لهذا السبب لاستمرانا الحكم بعد أن هدأت الثورة.
الأمر الثاني إن كان غرضنا إنقاذ أنفسنا لشرعنا في إجراءات حماية أنفسنا وليس ثمة مبرر للخوف في الأساس حتى يكون تصرفنا مبنياً على إنقاذ أنفسنا والدليل على هذا أننا أوفينا بوعدنا وسلمنا السلطة، وهذا مثال للزهد والوفاء ويوضح أننا لم نكن نخشى شيئاً.
والخلاصة أننا انحزنا للشعب. وشاهدي أن هدف الانتفاضة كان إزالة الحكم المايوي ونحن قمنا بهذه الإزالة واتفقنا على أن نحكم في فترة انتقالية حددت بعام واحد ونسلم بعدها السلطة إلى ممثلي الشعب عبر انتخابات ديمقراطية وهذا ما تم بالفعل.
والشاهد من خلاصتي أننا انحزنا للشعب في إبريل 1985م عندما أعلنا نهاية نظام مايو، ثم انحزنا للشعب مرة ثانية في إبريل 1986م حين سلمنا السلطة لممثليه بعد انتخابات ديمقراطية نزيهة ولم نخرج في الانحيازين عن كوننا مواطنين سودانيين لبوا نداء الضمير.
وتحرك القيادة العامة كان منعاً لتحرك الضباط الصغار ذوي التوجهات السياسية. من هذا المنطلق قد يكون التحرك إنقاذاً للنفس وبالنتيجة والسلوك يمكن اعتباره امتصاصاً لغضب الجماهير.
إجابة د. أمين مكي:
كلمة (انحياز) القوات المسلحة إلى جانب الشعب كما وردت صباح السادس من إبريل 1985 وثبتت في الأذهان منذ ذلك الوقت لم تكن موفقة، إذ إنها تعني بالضرورة الموازنة بين طرفين واختيار أحدهما الشيء الذي لم يكن وارداً أو ما كان ينبغي أن يكون أو أن الطرفين ـ إن صح التعبير ـ كانا بالضرورة الثورة الشعبية ونظام نميري.
إذن كيف يستوي أن تكون هناك موازنة ثم (انحياز) فالقوات المسلحة بالضرورة طرف مهم من القوى الجماهيرية ولا بد من وقوفها مع الشعب والتصدي لقضاياه في كل الأوقات والظروف.
وعلى الرغم من ذلك ومن الناحية الموضوعية كان من الواضح تماماً بعد موكب الأربعاء 3 إبريل 1985، وهذا في تقديري عيد الانتفاضة الحقيقي، ونجاح الإضراب السياسي ووحدة الحركة الشعبية المناهضة تأكد أن النظام المايوي قد انتهى في ذلك اليوم، وأن الثورة ماضية في طريقها نحو التغيير مهما كان الثمن.
ومن هذا المنطلق كان بيان القوات المسلحة تتويجاً للانتصار وربما حقناً للدماء التي هب الشعب بأكمله ليدفعها ثمناً للحرية والديمقراطية.
أما السؤال عما إذا كانت قيادة القوات المسلحة قد تحركت لامتصاص غضب الجماهير أم إنقاذ بعض القيادات بإظهار التنصل من صلتها أو دورها في النظام المايوي فهذا سؤال أعتقد تكمن الإجابة عليه وسط تلك القيادات والأدوار التي قاموا بها في الانتفاضة والقناعات المتفاوتة أو التردد في اتخاذ القرار من بعض تلك العناصر، ولا أعتقد أن من كان خارج تلك الحلقة في ذلك الوقت بالذات يمكنه أن يجيب على ذلك بقدر كبير من الصحة.
إجابة د. عدلان الحردلو:
الخطوة التي قام بها الفريق سوار الذهب ورفاقه لا تتوفر حولها المعلومات الكافية حتى هذه اللحظة.
والسؤال الذي تجب الإجابة عنه هو ماذا حدث في الأيام الثلاثة التي أعقبت موكب التجمع النقابي في 3 إبريل 1985م داخل القوات المسلحة؟
*هناك روايات من بعض أعضاء المجلس العسكري الانتقالي انتشرت على لسان رواة كثيرين يصعب تحديد هويتهم، فمثلاً هل صحيح أن الفريق سوار الذهب نفسه كان متردداً في اتخاذ الخطوة؟ هل صحيح أن الفريق تاج الدين عبد الله وضعه أمام الأمر الواقع عندما خاطبه بأنه سيأخذ مكانه؟ وهل صحيح أن الضغط جاء من ضباط غير الذين كونوا المجلس العسكري الانتقالي، وأنه لولا تحرك القيادة لكان التحرك من ضباط آخرين من مختلف التوجهات السياسية؟ وهل إبعاد القائمة الأولى من ضباط القوات المسلحة مرتبط بهذه المقولة؟ وهناك سؤال عن الاتصالات التي تمت خلال الأيام الثلاثة ومع من كانت؟ هل كانت مع اللواء عمر محمد الطيب كما قالت بعض الإشاعات؟ هل كانت مع بعض قادة الأحزاب التقليدية مثل السيد الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني؟ وهناك روايات تفيد أن بعض الضباط الكبار اتصلوا بهم.
وثمة أسئلة أخرى، لماذا أحيطت الخرطوم صباح السبت السادس من إبريل 1985؟ هل لتوقع وصول نميري كما فهم اللواء عمر محمد الطيب أم لمنع المواكب من دخول الخرطوم؟ من الذي كان يتوقع تحرك القيادة العامة؟
حسب معرفتي الوثيقة داخل التجمع الوطني آنذاك، لم يكن أحد في التجمع يتوقع تحرك القيادة العامة.
وتحرك القيادة العامة كان منعاً لتحرك الضباط الصغار ذوي التوجهات السياسية. من هذا المنطلق قد يكون التحرك إنقاذاً للنفس وبالنتيجة والسلوك يمكن اعتباره امتصاصاً لغضب الجماهير.
*توقيت هذه الخطوة – من وجهة نظرك – هل كان له علاقة بمتغيرات خارجية مثل زيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش أو داخلية مثل اعتقال قادة الحركة الإسلامية بقيادة الدكتور حسن الترابي؟
إجابة اللواء حمادة:
نقطة انطلاقنا كانت من الواقع السوداني وقناعاتنا بأن النظام السابق لم يعد صالحاً للحكم بل كان وبالاً على السودان، وتحرك الشارع بكافة فصائله وتجمعاته كان مؤشراً لهذا. في هذا الجو تولدت أسباب التغيير ونحن في القوات المسلحة لم ننطلق من أي توجه حزبي أو عقائدي بل إن توجهنا كان من أجل السودان.
الجانب الآخر الذي أتعرض له بالتوضيح هو أن القوات المسلحة هي المؤسسة القومية الوحيدة التي يعمل بها كل أبناء السودان وهذا هو توجه القوات المسلحة الذي أتمنى أن يستمر دون أن يحدث فيه أي خلخل.
ومن توجه القوات المسلحة انطلقنا تجاوباً مع الشارع السوداني الذي حركته أسباب موضوعية وتوجهنا أنطلق من حركة الشارع ولم تكن له أية علاقة بمتغيرات داخلية أو خارجية، فضلاً عن أن واقع الحال ينفي مجرد التفكير في هذه العلاقة.
إجابة د. أمين مكي:
على الرغم من أن الكثير قد قيل عن أن الانتفاضة كانت بتدبير مسبق وتوزيع للأدوار تحدد سلفاً أو انقلاب قصر فوقي وتغيير في القيادات السياسية كإزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة السياسية وارتباط هذا أو ذاك بزيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش وبعض من قابلوه أو رفعوا إليه المذكرات وهم معروفون وينبغي عليهم أن يعلنوا غرض ونتائج تلك المقابلات والدوافع التي حدت بهم لمقابلته كل هذه الظروف والعوامل الخارجية لا شك في أنها ذات صلة بما كان يدور في الساحة السياسية آنذاك ومؤشرات بداية نهاية نظام مايو بقيادة جعفر نميري، إلا أنني على يقين كامل بأنه ليس هناك قوة في الأرض مهما بلغت من حكمة وبعد نظر وقدرة على التدبير والتخطيط يمكن أن تدعي أو تسند إلى نفسها توقيت إشعال نار الانتفاضة والتحرك الشعبي الذي بدأ في السادس والعشرين من مارس 1985، والذي كان نتاج انفجار بركاني لثورة جماهيرية أصيلة.
إجابة د. عدلان الحردلو:
أميل إلى الربط بين تحرك القيادة العامة وزيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش واعتقال الإخوان المسلمين، إن ما كشفت عنه محكمة الفلاشا يوضح تدخل الجهات الخارجية وتخطيطها لزوال شخص استنفذ أغراضه بالنسبة لها. وكان يهم تلك الجهات معرفة وجهة التغيير القادم وقيادته في اتجاه مصالحها. ولا يستبعد أن يكون اعتقال الإخوان المسلمين من تخطيط جهات خارجية، بل أبرئ الرئيس الأسبق جعفر نميري من اعتقالهم، لأنه ليست هناك ثمة مشكلة حقيقية بين الإخوان ونميري، بالعكس كانوا مطيعين ومساندين ولكن نميري أوهم بأن الخطر آتٍ من ناحيتهم.
وأرجح أن يكون اعتقال الإخوان المسلمين قد تم بإشارة من بوش حتى لا يكونوا في صف النظام عندما يحدث التغيير وهذا يعني إنقاذاً لهم.
وفي تقديري أن الجهات الخارجية قدرت أن فرملة الثورة والوقوف تجاه التيارات اليسارية والراديكالية لن يقف أمامها إلا الإخوان المسلمون، باعتبارهم الجهة المنظمة الوحيدة في الساحة آنذاك ومصلحتهم تلتقي مع المصلحة الخارجية في تحجيم اليسار والقضاء عليه.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.