كيف نغرس شجرة الصدق في أطفالنا؟

د.عبدالله إبراهيم علي أحمد

لصدق من أهم خصال الخير وهو على رأس مكارم الأخلاق التي دعا إليها الشرع وأمرنا بالالتزام بها، لهذا وصف الله سبحانه وتعالى أنبياءه بصفة الصدق، وكانت صفة المنافقين الكذب والفجور، فمن أهم أخلاق المسلم التي يجب أن يتحلى بها هو الصدق، لذلك علينا بالابتعاد عن الكذب، وأعظم نتيجة للصدق هي أن تكتب عند الله سبحانه من الصديقين. وفي تقديري قد تجوز الكذبة البيضاء لتزيين الحقائق، إذا كان من وراءها إصلاح، ولكن غير ذلك، فلا يوجد تفسير غير أنه كذب، والكذب صفة مذمومة في العلاقات الإنسانية ويبرهن على عدم صدق العلاقة مع الطرف الآخر.
يُولد الطفل على الفطرة النقية ولكن ما نلاحظه أن البعض من الآباء والأمهات يكذب على صغاره غير قاصد الكذب بمعناه الحقيقي ولا يريد ذلك أصلا، غير أنه غالباً ما يكون القصد من الكذبة على الطفل، أن يجد إلى الخروج سبيلاً، وإقناع الطفل بأقصر طرق وأقل جهد، فقد ينشبك الطفل في شيء معين يعجز الأب أو الأم من توفيره، فيلجأون إلى استخدام الكذب معهم للانفكاك منهم، ناسين أن هذا قد يكون بداية ممارسة الكذب بالنسبة للأطفال، خصوصاً عندما يكشفون ذلك مرة ومرتين أو ثلاث مرات، ثم يستمرون في الكذب إلى أن يغدون كباراً.
السؤال المطروح كيف نغرس شجرة الصدق في أطفالنا؟ والإجابة على ذلك غرس شجرة الصدق يكون بأن نكون نحن الآباء والأمهات القدوة الحسنة في الأول والأخير، وأن نكون مصدر الاستقامة والمثل الأعلى في حسن التعامل، حتى يشب الأبناء على ذات النهج تزينهم الأخلاق الطيبة، فالصدق بداية سلسلة الأخلاق الحسنة، والكذب بداية سلسلة الأخلاق السيئة، وليس هذا مبالغة، ولكنها وصية نبوية خالدة، (إن الصدق يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة، وأن الكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار)، وأحياناً البعض من الآباء يقول للطفل عليك بالصدق ولن نؤذيك إذا قلت الحقيقة، ولكن بمجرد صدقه وإظهار شجاعته، يجد العقاب والتوبيخ والتحقير، مما يجعله لا يفكر في قول الحقيقة والصدق مرة أخرى، فلِنُشعِر أطفالنا بالأمن والأمان عندما يعترفون بأخطائهم حتى لا يكذبون خوفاً من العقاب.
وقد يتعلم الطفل الكذب عندما يبلغه والده بأن يخبر الذي عند الباب أو المتصل على التلفون بأن أباهُ نائم، وهنا يتعلم الطفل الكذب بمرور الزمن لطالما أن الأب يكذب على الناس أمام ابنه، لذلك عندما نكذب على الآخرين يعني أننا نكذب على أنفسنا، ومن يكذب على نفسه، لن يصدق مع الغير، وإذا لم تصدق مع الغير، ضاعت في وجودك الحقيقة، ومع هذا يتعلم أطفالنا حين نكذب عليهم، وقد يقف الأب حائراً أمام سلوك الكذب مع الأبناء، ويقول ابني يكذب ولا أدري ما السبب، في المقابل الوالد نفسه هو السبب، وعموماً سبب كذب أطفالنا لربما لأننا في بعض الأحيان، لم نكن القدوة الحسنة لهم بالشكل المطلوب، لأن كذب أحد الأبوين أمام الأبناء قد يدفعهم لممارسة نفس السلوك. وقد يكون الكذب ما هو إلا محاكاة لسلوك أحد الأبوين الذي يمارس الكذب أمام طفله، مثل التهرب من الرد على الهاتف وادعاء أنه ليس موجوداً وهو ما نطلق عليه: (القدوة السلبية)، لذا يجب على الآباء الانتباه لذلك، وتعويد الأبناء الصدق منذ نعومة أظفارهم ليشبوا صادقين في أقوالهم وفي أفعالهم، ومتوازنين ما بين حاجاتهم النفسية والاجتماعية بمستوى مقبول من الشفافية والوضوح، علماً أن الكذب يلازمنا في حياتنا اليومية ويشوش على علاقاتنا، وموجود بلا استثناء في السياسة والإدارة والتجارة والإعلام والخدمات وفي العلاقات التربوية والأسرية والعاطفية، ولكن إن لم نعود أطفالنا الصدق، قد يتعلمون الكذب بسببنا نحن الكبار، فينشأ الطفل كاذباً على نفسه، أو ما يُسمى: (كذب الذات)، وهو عندما يحيط الكاذب نفسه بأدوار لا تناسب مؤهلاته المادية والعقلية والنفسية، كالطموح الذي يتجاوز الإمكانات المتاحة، مما يؤدي إلى الانزلاق أو الانحراف، والمفهوم التربوي عندما يصطحب الأب ابنه في مشوار معه، يخاف عليه من العثرات والسقوط على الأرض، فيقول له أعمل حساب خُطاك، فيرد الطفل على والده قائلاً؛ أعمل أنت حساب خُطاك فأنا أخطو خطواتي وراءك.
أخيراً الصدق عمود الدين وركن الأدب وأصل المروءة، وربيع القلب وشعاع الضمير.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.