حتى لا ندخل في فتيل

(1)
في أغنية (في الفؤاد ترعاه العناية) ليوسف مصطفى التني جاء: (مرفيعنين ضبلان وهازل/ شقوا بطن الأسد المنازل/ نبقى حزمة كفانا المهازل/ نبقى درقة وطني العزيز) فالمرفعينين هما دولتا الحكم الثنائي , ذات جلسة علمية تساءل أحد الأكاديميين المصريين قائلاً عرفنا الأسد المنازل لكن عاوزين نعرف ما هو الضبلان وما هو الهازل في دولتي الحكم الثنائي، فانفجرت القاعة بالضحك وقيل له لا يوجد فرق يذكر بين الضبلان والهزيل. فإن كان شاعرنا التني يومها يخاطب عاطفة الشعب لسوقه نحو الاستقلال فما أحوجنا اليوم لاستعادة الدعوة لوحدة السودانيين ليبقوا (حزمة ودرقة) لهذا الوطن العزيز، فموضوع سد النهضة موضوع جاد لا يقبل الهزل، فالنظام السابق اتخذه تكأة سياسية، والنظام الحالي سار على نفس الدرب وإلا قل لي بربك لماذا يرفض السودان التوقيع على وثيقة واشنطون تبعاً لإثيوبيا ثم يعود ويوافق عليها تبعاً لمصر كما أفضنا في هذا بالأمس ؟

(2)
إن قضية سد النهضة تعكس إشكالية وضع السودان بين دولتي الجوار اللتين تشاطئاننا على النيل الأزرق , اثيوبيا ومصر ولن نصفهما بالضبلان والهازل ولن نصف السودان بالأسد، ولكن من حقنا ان نخاف على شق بطن السودان الذي يشقه ذات النيل العظيم، فالسودان منخفض سياسي لأنه ومنذ زمن ظل في حالة عدم استقرار وتنازع داخلي وحروبات أهلية وفقر وانعدام تنمية ومن ناحية ديموغرافية السودان بلد قليل الكثافة السكانية مقارنة بمصر وإثيوبيا اللتين تجاوزتا المائة مليون نسمة ومن ناحية جغرافية السودان في معظمه أرض سهلية منبسطة بينما إثيوبيا في معظمها هضبة وعرة يستحيل استصلاحها مع كثرة مائها، ومصر في معظمها صحراء يستحيل ريها من موارد مائية مصرية. عليه يكون من الطبيعي أن تكون مصر معتمدة على الماء القادم من إثيوبيا في بقائها على وش الدنيا . فهذا النزاع المائي الحتمي بين البلدين أعطى السودان وضعا استراتيجيا إذ أصبح Buffer-Zone أي أرض فاصلة بين البلدين تمنعهما من الاحتكاك المباشر.

(3)
لكل ما تقدم، يمكننا القول إن مصير السودان بين البلدين قابل لكل الاحتمالات فيمكن ان يكون أرض معركة بينهما ويكون الخاسر الأكبر ويمكن أن يكون فريسة تقتسم بينهما ويمكن أن يكون حكيماً يوازن بينهما لا بل ويخلق وحدة اقتصادية بين الدول الثلاث، فهذا النيل العظيم منذ ان أوجده الله ظل يمد الدول الثلاث بأسباب الحياة، ومع تطور التقنيات في أساليب الري يمكن أن يستمر في أداء نفس الدور الى أن يرث الله الأرض ومن عليها هذا إذا حسنت النوايا، وهنا سوف يبرز دور السودان لأنه واسطة العقد ولن يقوم السودان بالدور المناط به إلا إذا أصبح قوياً في نفسه مستقلا في سياساته مراعيا لمصالحه ومصالح الجوار، ولكن قل لي كيف يمكن للسودان مراعاة مصالح الجوار ومصر تقوم سياستها نحو السودان على احتواء النظم الحاكمة وبعض النخب المؤثرة، واثيوبيا تقوم سياستها نحو السودان على الاقتراب من الشعب السوداني على اختلاف مكوناته وبعض النخب المؤثرة ؟ الخروج من هذا المأزق يبدأ بأن يتوحد السودانيون حكاماً ومواطنين ونخبا ويبقوا حزمة ويتركوا المهازل ويبقوا درقة لوطنهم وساعتها يمكنهم نزع فتيل التوتر الذي لم يبدأ بسد النهضة ولن ينتهي به، وإلا فسوف يدخل السودان ودولتا الجوار في الفتيل.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.