إذا وضعتُ في الحسبان كبار السن على وجه العموم في هذه الأيام، أحب أن أقل، لا تحرجوا كبار السن ولا تختبروهم في ذاكرتهم، مثلاً، هل عرفتني؟ من أنا وابن من أكون؟
ما يجب فعله، سلم عليهم وقل اسمك وعرف بنفسك، النسيان شعور مؤلم، فإذا خانتهم الذاكرة فلا يخونك الأدب.
هذه المقدمة تقصدني إلى أنَ البعض من الأبناء يستهتر بآراء آبائهم خصوصاً عندما تبلغ بهم سن الشيخوخة، فلا يهتم الابن لحديث أبيه كثيراً، ولا يوليه اهتماماً، ويقول في نفسه هؤلاء لا يفهمون في الحياة ونظرتهم وأفكارهم قديمة لا تصلح لأن نأخذها ونعمل بها، ويظل الابن غير مراعياً لأفكار أبيه، ويتضايق من كلامه ووجهة نظره، هذا إذا لم يأخذه إلى دار رعاية المسنين ليبق هناك إلى أن يأتيه أجله، ناسياً الأيام الحلوة التي كان يتمتع بها ذات الابن مع أبيه، ومتى سأل الابن أبيه أو طلب منه شيئاً، وجد الأب الحنون ملبياً لطلباته دون كلل أو ملل، هكذا الآباء، ولكن أين دورنا نحن الأبناء تجاههم حين يغدون كباراً؟
عندما كنا صغاراً، كنا نتشبه بآبائنا ونلبس أحذيتهم اعتزازاً بهم، ونحاول المشي بها، ونلبس ملابسهم ونظاراتهم وقبعتهم العسكرية فنشعر بالعظمة والقوة، وقد يأخذ الابن مفتاح سيارة أبيه، ويسأل نفسه:-
ماذا لو كانت سيارتي، والأب يلاحظ ذلك وهو في سرور، لمجرد الابن يتشبه به، ولكن ما يجري اليوم أن البعض يحتقر ملابس أبيه وسيارته، وكل شيء يملكه بسبب ذوقه القديم دون مراعاةٍ لوجهة نظره، بينما الأب يحس أن ابنه ما زل صغيراً مهما كبر، ويحتاج إلى بعض النصائح لتعينه في حياته، يتأخر فيقلق عليه ويتصل به لكن الابن يتضايق خصوصاً عندما يكون مع أصحابه، لشعوره أنه يحرجه، وهذا حال كل والد تجاه ابنه، لكننا نجهل ذلك فنقسو عليهم بعدم طاعتهم والأخذ بنصائحهم بالصورة التي يجب أن تكون، وأحياناً نعكر صفوهم ونزعلهم بعمل ما لا يريدون، بينما الأب العجوز قد يسكت عندما ترفع صوتك عليه فتصدمه ويتذكر عندما كان بالأمس يحملك على أكتافه، واليوم لم تعد محتاجاً إليه، فهل هذا هو الجزاء؟ وهل هذا هو رد الجميل الذي يجب أن يكون؟
لا شك من أن الأب حين تبلغ به السن، يظل محتاجاً لنا لنرد له الجميل، ونجلس معه ونحترمه ونتحدث إليه ونستمع إلى حديثه، ونعمل بتوجيهاته أو على الأقل أن نعتبرها ونوليها اهتماماً، فعلينا بمساعدته والوقوف إلى جانبه خصوصاً في مرضه، وليبق الأب كأعظم حب.
همسة:بني العزيز يوماً ما ستراني عجوزاً، فتحملني وأعطني بعضاً من وقتك لتسمعني وتهتم بي، عندما ترتعش يديّ ويسقط طعامي، وعندما لا أقوى على لبس ثيابي، تذكر سنواتٍ مضت وأنا أعلمك ما لا أستطع فعله اليوم، وإذا كررت عليك الكلمات، فتذكر كم كررت من أجلك قصصاً وحكايات عندما كنت صغيراً، وفي سني هذه عليك أن تدرك أني لست مُقبلاً على الحياة مثلك ولكني ببساطة أنتظر الموت، فكن معي ولا تكن عليّ، ولا تحرمني صحبتك، فأنا من كنتُ معك حين وُلِدتَ فكن معي حين أموت.
Comments are closed.