لؤي عبد العزيز يكتب عن معلمه وصديقه الراحل الموسيقار محمد الأمين

لا أعرف ماذا أكتب ومن أين أبدأ…

فلنبدأ من مكالمة بيني وبين معز محمد الأمين يوم وفاة الأستاذ وكنا في حالة سيئة جداً، وقال لي معز إن الأستاذ قبل وفاته بيوم فجأة بدأ ينادي (يا لؤي وين لؤي)، وقد أخبرني بذلك قبلاً الأخ إيهاب محمد عبد الله في محادثة منه… يا الله يا الله..

ليتني كنت معك ولكنها الأقدار.. بكيت بحرقة وألم وتذكرت منذ قدومي لأول مرة لفرقة الأستاذ محمد الأمين وحتى آخر حفل في دبي..

يا الله .. إنها ٢٣ عاماً من عمري تعلمت فيها كل شيء تعلمت كيف أن تكون فناناً وكان الدرس الأول أن الفن هو رسالة ذات قيمة عالية..

٢٣ عاماً جبت معه السودان والعالم تعلمت منه كيف يصنع الفن الجيد ورأيت كم هو مختلف في كل شيء..

كان بالنسبة لي أباً وصديقاً كان بيني وبينه جسر وجداني غريب حتى داخل المسرح..

كان في قمة الصدق لا يجامل ولا يتنازل عن أفكاره أبداً.. كان محباً لجمهوره يتعب جداً ليقدم لهم كل ما هو جميل..

كان وطنياً صميماً يحب السودان وأهله.. كان يهاتفني يومياً من أول يوم للحرب وهو يسأل من الناس والبلد وأحوال الناس..

كان رمزاً للسلام.. فكان الحفل الشهري يجمع جميع أهل السودان في نموذج طيب للوحدة.. وحدث أن كنا معه في إحدى مدن دارفور اشتهرت بالبلاغات الكثيفة خلال اليوم الواحد قد تصل إلى ١٢٠ بلاغاً من مختلف الجرائم من أصغرها حتى القتل، فحدث في يوم هذا الحفل للأستاذ محمد الأمين أنه لم يتم تدوين أي بلاغ لأنه وببساطة القاتل والمقتول كانا يستعدان لحضور الحفل مما يؤكد فاعلية الفن في الارتقاء بالمجتمعات وكان الموسيقار الأسطوري محمد الأمين نموذجاً حياً في ذلك..

لي مع الموسيقار محمد الأمين آلاف القصص والمواقف المختلفة والتي تحتاج كتباً لأذكرها لكم وربما أوفق في صياغة كتاب أجمع فيه هذه القصص علها تكون ملهمة..

يعتصرني الألم جداً مثلكم تماماً، ولكني أعزيكم وأعزي نفسي في فقدنا الجلل، وعزاؤنا أن تكسر القيثارة لا يعني فناء النغم.. سيظل محمد الأمين حياً فينا ويتحول وجوده المادي إلى سلوك وثقافة وحضارة.. فتجربة مثل هذه التجربة لا. يمكن أن تموت فأنا أرى فنه في السودان الوطن الواحد وفي عيون طفلة بتحفظ في كتاب الدين وفي زفاف عاشقين بعد فرقة وفي هلة فرح دفاق وفي ضحكة عيون ناعسين وفي كل مكان…

رحمك الله أستاذي وأبي وصديقي محمد الأمين.. أسعدك الله بأكثر مما أسعدت به الناس فهو الجواد الكريم ورحمك رحمة واسعة وأدخلك الفردوس الأعلى نزلاً، وجعل البركة في ذريتك إلى يوم الدين وصبرنا جميعاً على فقدك.

و.. قلنا ما ممكن تسافر ..

سيظل التزامنا الأخلاقي والفني تجاه جمهور وفن الموسيقار الكبير قائماً مدى الحياة وسنظل فرقته الموسيقية الفخورة بما قدمناه معه من فن رفيع وسنظل نفخر بأننا كنا جزءاً من هذه المدرسة العظيمة..

دعواتكم دعواتكم دعواتكم.. هو كل ما تستطيعون أن تقدمونه له وهو الذي أفنى عمره في إسعادنا..

ختاماً لا نقول إلا ما يرضي الله

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.