مخاوف الداخل والخارج من استئناف العلاقات بين إيران والسودان  

محمد الماحي الأنصاري 

أثار الإعلان عن استئناف العلاقات بين إيران والسودان، مخاوف أطراف عديدة في الداخل السوداني والمنطقة، وجاءت المخاوف الخارجية محصورةً في احتمالات توسع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد إبرام اتفاق بكين الذي أعاد العلاقات الإيرانية السعودية، بالإضافة إلى أن مخاوف أخرى تنحصر في أن تعميق العلاقات الإيرانية السودانية يمكن أن يقضي على احتمالات التطبيع مع إسرائيل.

 

أمّـا المخاوف الداخلية، فقد ظهر أبرزها من مليشيا الدعم السريع وحلفائها في “الحرية والتغيير”، لأنّ عودة العلاقات السودانية مع طهران ستؤدي إلى حصول الجيش السوداني على أسلحة حديثة ودخول خبرات إيرانية متميزة في الصراع السوداني مع مليشيا الدعم السريع، التي تراهن مع حلفائها على أن يظل ميزان القوى على الأرض لصالحها حتى تتمكن من فرض شروطها على مائدة التفاوض، ويتم تقسيم السلطة على ثلاثة أطراف “جيش مليشيا وقحت”، لذلك قادت الحاضنة السياسية للمليشيا المتمردة حملة شرسة ضد عودة العلاقات السودانية الإيرانية، ولكنها وبمبلغ سذاجتها ومراهقتها السياسية استلفت واستخدمت الخطاب القديم ذاته الذي كانت تواجه به الإنقاذ في عز علاقتها مع طهران، غير مستوعبة للمتغيرات الكبيرة التي حدثت في الإقليم تجاه إيران، لذلك بدا عليها القلق والارتباك.

 

لم تستوعب الحاضنة السياسية للمليشيا أن خُطورة علاقة السودان مع إيران في الماضي نبعت من أنها كانت مبنيةً على محور معاد للخليج الذي استخدم كل أدوات الضغط حتى أجبر الإنقاذ على قطع علاقتها مع طهران وإغلاق الحسينيات وإيقاف التعاون العسكري.

 

اليوم تغيّر الموقف الخليجي تجاه محور المقاومة بأكمله وليس تجاه طهران وحدها؛ بعد المصالحة السعودية الإيرانية والمصالحة الإماراتية السورية، ومهد اتفاق بكين المبرم بين الرياض وطهران لدخول السعودية في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين في سلطنة عُمان، قادها الأمير محمد بن سلمان بنفسه عندما جاء من قمة العشرين ومكث في السلطنة ثمانية أيام وأسفر ذلك التفاوض (المتواصل حتى اللحظة) عن وقف إطلاق الحوثي للصواريخ تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً.

 

ذهبت السعودية في ذلك الاتجاه، لأنها وصلت إلى قناعة تامة مفادها أن الحلول الخارجية والأمريكية فشلت في تركيع إيران، وأن المجتمع الدولي يبحث عند مصالحه معها لا مصالح عن المملكة العربية السعودية والخليج، وتعزّزت تلك القناعة بعد انقسام المجتمع الدولي حول الاتفاق النووي، وتجلت عندما قررت إدارة بايدن دراسة رفع القيود على الحسابات الإيرانية المجمدة بالخارج وتُقدّر بـ10 مليارات دولار، وذلك بعد إعلان بغداد الإفراج عن 3 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة في مصارفها بموجب العقوبات الأمريكية بتفاهمات مع واشنطن.

 

صغار “قحت” لقصر قامتهم السياسية يريدون استغلال ما يحدث في البحر الأحمر لتجريم العلاقة السودانية مع طهران، ولأنهم أدمنوا الفشل ونقول لهم إنّ عمليات واشنطن – لندن الأخيرة تمثل دليلاً قوياً على تغيّر الموقف تجاه طهران إقليمياً ودولياً، لأنّ السعودية والخليج عموماً وأغلب الدول المطلة على البحر الاحمر تدرك أن أمريكا لا تستخدم قدرتها الحقيقية، وخصوصاً العسكرية، من أجل تحرير الملاحة في مضيق باب المندب، لأنها لا تريد الدخول في معركة حقيقية مع إيران، لذلك لم تأت بالقوة الضاربة التي أتت بها لحماية اسرائيل من أي هجمات باليستية إيرانية أثناء حرب غزة، واستلمت طهران وحزب الله الرسالة ولم يدخلا المعركة إلا بتحركات محدودة، تجاوزت واشنطن الرد عليها وتركت الرد عليها لإسرائيل.

ترسّـخت قناعة السعودية والخليج عموماً من أن تحركات واشنطن ولندن غير حقيقية ويقصد بها استمالة الناخب الأمريكي والبريطاني فحسب، لأن الإدارتين تتعرضان إلى ضغوط داخلية كبيرة، تحد من قدرتهما على التحرك ضد إيران في عام الانتخابات، وأصبح ذلك ظاهراً عندما فرضت واشنطن ولندن عقوبات محدودة على الحوثيين ليس لها أي تأثير مثل تلك التي فرضتها على الدعم السريع وتتعلّق بالأرصدة المالية والتأشيرات وغيرها من العقوبات الوهمية التي عزّزت الطمأنينة عند الحوثي بأن المستوى المحدود لأدوات الردع الأمريكية البريطانية يُصب في صالحه.

 

لم تشارك السعودية ودول الخليج ومصر وأغلب الدول المطلة على البحر الأحمر ولا الاتحاد الأوروبي ومجموعته البحرية الخاصة في تحالف وشنطن – لندن ضد الأهداف والمصالح الإيرانية في البحر الأحمر والمنطقة، لأنها لا تثق بمقاربة واشنطن ولندن الجديدة، وذهبت في خياراتها مع طهران بعيداً عن المجتمع الدولي الذي انقسم تجاه إيران منذ الاتفاق النووي واستوعب الخليج أنه لن يقع تحت رحمة تباين الجمهوريين والديمقراطيين عند كل دورة انتخابية.

 

الخلاصة خليج اليوم خرج تماماً من روية الكبار في العالم تجاه طهران بسبب عدم استقرارها ،والحقيقة الأخرى تؤكد أن الخليج الحالي ليس خليج التسعينيات لأنه أصبح من الكبار في العالم بقوته الاقتصادية وحضوره الدولي، وله مقاربات خاصة مع إيران تتعلق بأمنه القومي ومصالحه الاقتصادية المختلفة تماماً عن مقاربة واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي.

 

أعزائي في الحاضنة السياسية للمليشيا المتمرد، اقترح عليكم أثناء تبضعكم في عواصم المنطقة دراسة التغيرات الجيوسياسية، لأن خطابكم المبتذل لم يعد له زبون يشتريه، ولا آذان تصغي إليه، لا في الداخل ولا الخارج الذي يعتبركم مجرد أدوات تستخدم عند الحاجة ثم تُرمى في أقرب سلة للمهملات.. مثلما تُرمى أعقاب السجائر وبقايا مناديل الورق الملوثة باللعاب والمخاط.. وأكوام النفايات.. غير القابلة لإعادة التدوير..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.