شرق السودان.. مسلسل الأزمات المفتوح

عاشت قبائل شرق السودان المعروفة بنظارات البجا، مهمشة سياسياً واقتصادياً تحت حكم الرئيس الأسبق عمر البشير لعقود، كما حملت السلاح ضده بين 1994 و2006، لينتهي الصراع بتوقيع اتفاق سلام مع الحكومة في العاصمة الإريترية أسمرا وقتها. ثم وجهت المكونات الأخرى لمؤتمر البجا انتقادات لهذه الاتفاقية، معتبرة أنها ضعيفة ولا تلبي طموحات البجا.

شاركت البجا بقوة في الاحتجاجات الشعبية التي قادت إلى الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، وساندت لاحقاً الحكومة الانتقالية، التي تشكلت في أغسطس 2019، لكنها أيضاً لم تحقق مطالب البجا كما كان مأمول منها، فخرجت كذلك على حكومة الفترة الانتقالية وأغلقت ميناء بورتسودان والطريق القومي وخنقت الخرطوم.

 

أزمة البجا.. عينة عن أزمة السودان الكبرى

تعيش قبائل البجا، وهي الأكبر في شرق السودان، منذ آلاف السنين في المنطقة الواقعة على الحدود المصرية والإريترية. وبعد مرور حوالي 66 عاماً على تأسيس مؤتمر البجا، انقسم إلى أكثر من 7 أحزاب، وهذا يشير بوضوح إلى الاختلاف الكبير بين مكونات البجا سواء على الصعيد العرقي أو السياسي، حيث أصبحت الأحزاب المكونة لمؤتمر البجا أما مدعومة من الحركة الإسلامية وتياراتها المختلفة، وعدد من قيادات الجيش، أو مدعومة من دول غربية، وهذا حال معظم الأحزاب السودانية بشكل عام، وليس فقط شرق البلاد، بسبب تدخل بعض الدول الغربية في الشؤون الداخلية السودانية منذ عام 2019، لتحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة.

لذا، يمثل الصراع الحالي، الذي يشهده السودان بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أحد أبرز أوجه صراع المصالح الدولية، والتدخل الخارجي بدعم أحزاب محلية على حساب أخرى، واشعال الفتن والأزمات.

 

اسباب استمرار أزمة شرق السودان

بعدما شاركت قبائل البجا بقوة في الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير، دعمت لاحقاً الحكومة الانتقالية، أملا في تحصيل حقوقها والتخلص من التهميش الذي عاشته خلال حكمه. ولكن رئيس الوزراء الأسبق د. عبد الله حمدوك فشل بتلبية مطالب البجا واحتواء الأزمة، وحمدوك يعتبر أحد أبرز الشخصيات المدعومة من الغرب في السودان، وكانت العديد من الدول الغربية قد أعلنت بأنها لن تدعم الفترة الإنتقالية السودانية دون وجوده في الحكومة، وهذا يدل بشكل واضح على دور التدخل الخارجي الكبير في تعميق أزمات السودان، وزيادتها.

في السياق ذاته، التهميش السياسي والاقتصادي المستمر لقبائل البجا من قبل حكومات السودان المتعاقبة، إضافة للدعم الغربي لبعض الأحزاب المكونة لمؤتمر البجا دفعها للتهديد بالانفصال كما حصل جنوبي السودان. من جهته، فإن مجلس السيادة بقيادة البرهان يرفض رغبة البجا بالانفصال.

ويقول مراقبون بالشأن السوداني، إن رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان الذي يتخذ من بورتسودان – بشرق السودان  – عاصمة مؤقتة له، يعتزم دعم الأحزاب والفصائل الإسلامية في مؤتمر البجا، والاتفاق معها ضد الأحزاب والشخصيات المدعومة غربياً والتي تلوّح بالانفصال.

وبحسب المصادر، كان البرهان قد إتفق مع الأحزاب الإسلامية في مؤتمر البجا على دعمه على أن يقدم البرهان الدعم اللازم لهذه الأحزاب الإسلامية بمؤتمر البجا على حساب الأحزاب الأخرى المدعومة من الغرب.

 

الخميس الماضي التقى البرهان، وفد اللجنة العليا لمناهضة خصخصة الموانئ البحرية وتعهد بحل الأزمة الراهنة، بالعمل على تذليل كافة العقبات التي تعترض سير العمل بالموانئ. ودخلت هيئة الموانئ الأسبوع الماضي في اضراب عن العمل  مطالبة بقانون خاص وأن تتبع لرئاسة الدولة، واجهت انتقادات شديدة لوزير المالية د. جبريل إبراهيم.

وقال عثمان طاهر آدم، عضو اللجنة العليا لمناهضة الخصخصة بالموانئ، أن اللجنة اطلعت البرهان على تاثيرات القرارات الصادرة مؤخراً المتعلقة بمناهضة خصخصة الموانئ البحرية، مبيناً أن الوفد أبدى إرتياحاً تاماً لتفهم رئيس مجلس السيادة للأمر وتعهده بحل الازمة مع الجهات ذات الصلة.

 

أما بالنسبة لرئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، فسيتولى مهمة التفاوض مع الأحزاب الموالية للدول الغربية في مؤتمر البجا وسوف يعدهم بالتخلص من الأحزاب التابعة للإسلاميين بعد تطبيق التسوية السياسية التي يتم التفاوض عليها.

 

وبطبيعة الحال، كل ما تم ذكره أعلاه، سوف يعمّق أزمات الشعب السوداني، وسيزيد الخلافات، بسبب ارتهان العديد من قادة السودان للخارج وتعقد المصالح الدولية، والذي بدوره، سوف يصعب الوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.