زيارة مجلس السلم والأمن الأفريقي للسودان.. ماذا يحمل في حقيبته؟!

تقرير: سوسن محجوب

من المُقَـرّر أن يستهل وفدٌ من مجلس السلم والأمن الأفريقي، أحد أجهزة الاتحاد الأفريقي، زيارة إلى السودان، وفقاً لبيان أصدره عقب اجتماع له مطلع الأسبوع المنصرم، قال فيه إنها زيارة تضامنية وللعمل مع أصحاب المصلحة في الميدان.
تحركات مجلس السلم والأمن الأفريقي، تأتي في ظل مساعٍ غربية لدفع الاتحاد الأفريقي تبني توصيات بعينها، منها ما تم في اجتماع نظمته باريس بالتعاون مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي في الخامس عشر من أبريل الجاري خُصِّص جُزءٌ منه لحشد الدعم لتمويل العمليات الإنسانية. لكن ثمة أسئلة ملحة وهي لماذا لم يُدِن الاتحاد الأفريقي ومجلس أمنه، مُشاركة دول من الأعضاء في الاتحاد في حرب السودان وفتح أراضيها أمام تدفُّـق السلاح والمقاتلين المُرتزقة بجانب مليشيا الدعم السريع؟ وهل لتلك الدول تأثيراتٌ على قرارات المؤسسة الأفريقية؟ (السوداني) طرحت تلك الأسئلة على مختصين؛ تباينت رؤيتهم حول موقف الداعمين لطرفي الحرب، لكن أجمعوا على ضعف وهشاشة الاتحاد الأفريقي حيال أزمات البلدان الأعضاء.

موعد سداد فواتير
الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين يقول لـ(السوداني) إنّ وقوف دول بجانب قائد مليشيا الدعم السريع، لا سيّما دول شرق أفريقيا ممثلة في إثيوبيا وكينيا وإلى حد ما يوغندا، يأتي لاعتبارات خاصة بها، أهمها أن كل هذه الدول مجتمعةً ــ باستثناء يوغندا ــ هي أنها تسدد فواتير حان وقتها، وهي ليست أموراً سرية، مثلاً الرئيس الكيني وليام روتو؛ لولا أموال حميدتي لما وصل إلى سدة الحكم، ذلك لأنه يأتي من خلفية ليست ذات ارتباطات سياسية في كينيا، وأوضاعه محدودة جداً ويحتاج إلى دعم في ظل بلد يواجه انقسامات قبلية، ودعم روتو كان مخططاً له، لأنّ الدول التي تقف خلف حميدتي – الإمارات، بحسب نقارير خبراء الأمم المتحدة واتهامات للسودان في مجلس الأمن لها – أو غيرها كانت لها مصالح بأن يظهر حميدتي من خلال دعم روتو، حتى تكون له مستقبلاً حاضنة مهمة جداً. وأضاف: “كذلك إثيوبيا التي تحتضن استثمارات مهمة لقائد الدعم، والجميع يتذكر زيارة حميدتي لأديس أبابا بالتزامن مع معارك كان يخوضها الجيش السوداني في منطقة الفشقة السودانية ضد مليشيات فانو الإثيوبية والجيش الإثيوبي، كان يجب أن تكون رؤية القيادة تشكلت كلياً عن الرجل، والذى بدلاً من زيارة الخطوط الأمامية للجيش السوداني، زار عِوضاً عن ذلك العدو الذي يحتل أراض سودانية ويقاتله الجيش، وفي اعتقادي أن واقعة الزيارة كشفت عن أزمة حقيقية في الدولة السودانية وقياداتها وطرق تفكيرها ووسائلهم لتحقق من المعلومات، وهذا كله مخطط له ومقدمات إلى عمل كبير في المستقبل من أجل أن تشكل تلك الدول حاضنة سياسية ودبلوماسية مستقبلاً”.

انقلاب البرهان وحميدتي
الاتحاد الأفريقي سارع في السابع والعشرين من أكتوبر 2021 – بعد يومين من انقلاب نفذه البرهان وحميدتي على الحكومة الانتقالية، إلى تعليق عضوية السودان في الاتحاد، لكنه ظل “الاتحاد الأفريقي” منخرطاً في الجهود التي هدفت لإنهاء الأزمة عقب اندلاع الحرب في منتصف أبريل العام المنصرم بالسودان، حيث تبنى وبعد قمة له، خطة تشمل وقفا دائما لإطلاق النار، وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح، وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومتراً عن العاصمة، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية، إضافةً إلى معالجة الأزمة الإنسانية والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي، لكن الحكومة السودانية رفضت الخطة جملة وتفصيلاً.

التعامل الفظ
في المقابل، يرى وزير الخارجية الأسبق السفير طه أيوب في حديثه لـ(السوداني) أنّ علاقات السودان ببعض الدول الأفريقية وبشكل خاص دول الجوار، تسودها ضبابية كثيفة ناتجة في الأساس من جهل القادة العسكريين وتعاملهم “الفظ” مع بعض قادة هذه الدول، وعلى رأسها إثيوبيا وتشاد وكينيا. كما أنّ فقدان كياسة التعامل الدبلوماسي مع رؤساء دول أخرى مثل رئيس جيبوتي يجعلهم حذرين في تعاملهم مع قادة السودان، ولذلك نجدهم مُضطرين إما للوقوف على الحياد أو تأييد قوات الدعم السريع.

أدوارٌ ومهامٌ
ويذهب تورشين إلى مدى تأثير دول مثل كينيا وإثيوبيا على الاتحاد الأفريقي، فمثلاً إثيوبيا دولة مقر وكينيا تستضيف بعض المؤسسات الدولية وتُعد دولة ديمقراطية، لها تأثير ووزن في الأسرة الدولية ولدى الكثير من الدول الغربية، بالتالي دعمها لقوات الدعم السريع بشكل أو آخر يحسن صورة تلك القوات لدى المجتمع الإقليمي والدولي، لذا، نجد أن الدعم السريع وحلفاءه ركزوا في التعاطي مع هذه الدول.
وبيّن تورشين أنّ دولة تشاد تم اعتمادها لتكون مركزا استراتيجيا لإيصال الدعم اللوجستي لقوات الدعم، وهو دور لن تقوم به إثيوبيا حتى لا تتورّط في مثل هذه المهام، لأنّ تكاليف ذلك سوف تكون عالية جداً لها ــ وفي رأي الجهات التي وظفت تشاد لهذه المهمة، كانت تدرك تماماً تواضع مقدرات قيادتها السياسية وأنها بلا تجربة ولا تعرف الكثير من التحديات، لأنّ أي استقرار في السودان ــ في تقديري سيكون له ما بعده في أمن واستقرار تشاد باعتبار أنّ النظام السوداني إذا دعم أي فصائل معارضة أو داخل النظام التشادي، سيسهم ذلك وبصورة كبيرة في تغيير النظام، وهذه المُعادلة تعلمها إثيوبيا تماماً، وتعلم أنّ معظم من اعتلى سدة الحكم في أديس أبابا مر من الخرطوم. ويضيف تورشين: “الرئيس آبي أحمد كان ذكياً جداً، حيث رفض أن يكون محطة لتوفير الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع”.

مواقف موسكو
ويواصل تورشين في مواقف الدول الأفريقية من طرفي الحرب في السودان، ويوضح ان دور دولة أفريقيا الوسطى تراجع وانحصر مؤخراً في توفير المقاتلين لقوات الدعم، وبالتالي هو ليست دورا محوريا يقوم على توفير الأسلحة، كما أنها نفسها تعاني من عدم الاستقرار وتعلم أن أي تورط لها في ملف أزمة السودان، سوف يؤثر بشكل كبير جداَ على نظام الحكومة القائمة الآن، أضف لذلك أنه وبعد مقتل مؤسس قوات فاغنر ــ ونتيجة الزيارات المتكررة لقادة سودانيين إلى موسكو ــ ربما أدى ذلك بأن يعيد بوتين النظر حول أهمية قوات الدعم السريع وأنه لن يحقق لها مصالحها الجيواستراتيجة في أفريقيا وأهمها الحصول على موقع مهم في شواطئ البحر الأحمر حتى يكون نقطة إمداد لإيصال الدعم اللوجستي لقواتها المنتشرة في الدول الأفريقية.

تفرق “كلمة أبنائه”!
وزير الخارجية أيوب يرى أن موقف وتعاطي الدول الأفريقية من جنرالات الحرب، يختلف من دولة لأخرى وكل له ما يريده، ويلفت إلى أن عدداً من دول الجوار تفضل سوداناً ضعيفاً ــ وهذه رؤية دول يظن فيها “النظام العسكري” الخير فيها مثل ليبيا وإريتريا وجنوب السودان، وترى في تفرق “كلمة أبنائه” مصلحة لهم، بالطبع تبقى إثيوبيا المثال الحي في هذا الصدد، وإن كان نفس المبدأ ينطبق حتى على جنوب السودان.

ظل الإسلاميين
الباحث في الشؤون الأفريقية محمد تورشين، يؤكد أنّ كل الدول الأفريقية لديها مصالح في السودان تختلف من دولة لأخرى، البعض يرى أن الحكومة السودانية القائمة الآن هي امتدادٌ لحكم الإسلاميين ويجب أن تتغير، ويتابع: “لا أعتقد أن تيارات من بريطانيا وأمريكا بعيدة عن هذا الرأي بشكل أو آخر”، موضحاً أنّ الإمارات تمكنت من إحداث تأثير كبير جداً عليهم من خلال استثماراتها وأيضاً عبر ملف التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي هي في نظرهم دولة محل ثقة.

اتحاد بلا قرار
ويؤمن تورشين بأن الاتحاد الأفريقي مؤسسة ضعيفة، تتأثر في مواقفها بالتوجهات العامة لكثير من الدول، لا سيّما الدول صاحبة النفوذ والقوة، وإثيوبيا تمكنت من خلال استضافتها مقره لأن يكون لها نفوذ وتأثير على موقفه وتفاعله تجاه القضايا التي تعاني منها القارة الأفريقية، وأزمة السودان غير انها نموذجٌ وشاهدٌ لهذا، أيضاً الأزمة والصراع الدائر بين الحكومة المركزية في إثيوبيا وجبهة تحرير التيقراي في العام 2020، أظهرت أنّ قرار الاتحاد الأفريقي مختطفٌ ولا يستطيع أن ينظر الى أي قضايا تتقاطع مع الموقف الرسمي الإثيوبي، وأيضاً أزمة جنوب السودان بين الرئيس ونائبه، وصراعهما حول السلطة، كشف التعاطي المهزوز والضعيف للاتحاد، فضلاً عن أدواره في دول وسط أفريقيا أو غربها، وفي رأيي هناك مؤسسات وتكتلات إقليمية مثل ايقاد او الاكواس، تأثيرها ودورها أكثر نجاعة من دور الاتحاد الأفريقي، ويواصل تورشين إلى أنّ “المنظمات المناط بها التدخل في أزمة السودان هى ايقاد ولكنها تضم دول كينيا وإثيوبيا ويوغندا وهي دول مواقفها معلومة، وجيبوتي دولة لا يمكنها ان تغضب إثيوبيا، لان ذلك سينعكس على أمنها واستقرارها وفي رأيي ــ فإن انسحاب السودان أو تجميد عضويته في ايقاد أسهم بشكل أو آخر في تباطؤ استغلال المنبر لتنفيذ أجندة هي أقرب إلى دعم قوات الدعم السريع”.

لهذا السبب!
الوزير أيوب يمضي بقوله إنّ سبب وقوف بعض الدول الأفريقية الكبيرة والمؤثرة مع قوات الدعم السريع سببه عدم قبول السودان قرار تجميد عضويته بالاتحاد عقب انقلاب 25 أكتوبر عام 2021، فضلاً عن رفضه وساطة الاتحاد الأفريقي (ايقاد)، بل وصل تعاطف بعضها مع توجهات قوات الدعم السريع وقلب ظهر المجن للنظام العسكري إلى درجة استقبال زعيم الدعم السريع استقبالاً يرقى إلى ما يطبق عند وصول بعض رؤساء الدول.

بلا مكيال
ويلفت أيوب مواصلاً حديثه لـ(السوداني)، إن البعض من الدول الأفريقية يشعر بالامتعاض من أن ذات الاتحاد الأفريقي الذي علق عضوية السودان بسبب انقلاب نفذه البرهان ونائبه وقتذاك حميدتي والذي ــ جر علينا كل هذه المآسي، يتقاعس في تطبيق نفس المعيار عند وقوع تطور مماثل في تشاد، ويضيف: “خلاصة القول إنّ العامل الذي يجبر بعض الدول الأفريقية للانحياز إلى قوات الدعم السريع نابعٌ من انها توازن بين قوة عسكرية تعلن التزامها صراحةً بالقبول بالوقف الفوري لإطلاق النار ــ حتى ولو كان من باب الخداع، وبين قوة عسكرية أخرى ترفض وقف إطلاق النار وحماية أرواح المدنيين والعسكريين وتمنع إيصال أساسيات الحياة لقاطني معسكرات اللجوء والذين يفترشون العراء”.

إلغاء التجميد والمقابل
في أواخر يناير من العام الحال، أعلنت مفوضية الاتحاد الأفريقي تعيين لجنة رفيعة المستوى من 3 أعضاء أفارقة للعمل على تسوية الصراع الدائر في السودان برئاسة محمد شمباس الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق، وفي أول لقاء بالعاصمة المؤقتة بورتسودان بين شمباس ورئيس مجلس السيادة ــ القائد العام للجيش، الفريق أول البرهان، نقل البرهان له أنّ “السودان يثق في الاتحاد الأفريقي وما يمكن أن يقدمه من حلول شريطة أن تعيد الدولة ثقتها في الاتحاد بالتعامل معها كعضو كامل الحقوق في هذه المنظمة”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.