وثيقة “الإعلان الدستوري” كيف سيتسجيب المجلس العسكري؟

الخرطوم: محمد عبد العزيز

 

اعتبر القيادي في قوى الحرية والتغيير أمجد فريد رد فعل المجلس العسكري على وثيقة “الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية” بمثابة إشارات إيجابية فيما أعلن المجلس العسكري الانتقالي بالسودان الخميس استلام وثيقة المرحلة الانتقالية من قوى إعلان الحرية والتغيير واعتبرها خطوة لدفع الحوار إلى الأمام مشيرا إلى أنه سيقوم بدراستها والرد عليها.
ودعت قوى الحرية والتغيير في رؤيتها إلى تشكيل مجلس السيادة بالتوافق مع المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد حاليا، وحدد الإعلان مدة الفترة الانتقالية بأربع سنوات بدءا من تاريخ دخول الدستور الانتقالي حيز التنفيذ.

كما أشار الإعلان إلى أن القوات المسلحة تخضع لقرارات السلطتين السيادية والتنفيذية، وأن أعضاء السلطة التشريعية يتم تعيينهم بتوافق الموقعين على إعلان الحرية والتغيير.
وشدد إعلان قوى الحرية والتغيير على أن تتم مراعاة تمثيل القوى المشاركة في التغيير في عضوية المجلس التشريعي. وأوصى الإعلان بأن يتولى مجلس الوزراء الانتقالي صلاحية إعلان الطوارئ ووضع السياسة العامة للدولة.
وفي مؤتمر صحفي عُقد مساء الخميس، قال ممثلو قوى الحرية والتغيير، إن الوثيقة التي قدموها قابلة للمناقشة والتعديل، وإنهم منفتحون على أي مقترحات بشأنها من المجلس العسكري، لكنهم أوضحوا في الوقت نفسه أنهم يتوقعون ردا من المجلس العسكري على الوثيقة في أجل أقصاه 72 ساعة، وأضافوا أن الرد سيسمح بتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف على الوثيقة.
ترتيب أوضاع
تطالب قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري بتسليم السلطة فورا لحكومة مدنية انتقالية، معلنا تعليق التواصل مع المجلس العسكري متهما إياه بالمماطلة في تسليم السلطة، وظهرت لدى تحالف الحرية والتغيير أزمة ثقة في المجلس العسكري خاصة فيما يتصل بنواياه بشأن المجلس السيادي ونية العسكر في الاستفراد به، لذلك فإنه يتمسك ببقاء الاعتصام كسبيل وحيد لضمان تنفيذ المطالب، خاصة أن عملية عسكرية انتقالية بهذه الطريقة لن تسكت التظاهرات.
وكان التحالف قد قدم مطالبه في نقل السلطة للمجلس العسكري والتي حددت بمجلس رئاسي مدني بتمثيل عسكري وحكومة مدنية بسلطات تنفيذية ومجلس تشريعي مدني انتقالي.
وفي التفاوض تتحدد الاستجابة بين المجلس العسكري وقوى الحرية مربوطة بمصلحة كل طرف، فقوى الحرية والتغيير تركز على الترتيبات المتعلقة بالحياة السياسية التي تمكن من تفكيك الدولة العميقة وإعادة إصلاح المشهد السياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي وتجاوز تركة النظام البائد.
التحدي الأساسي مرتبط بمستقبل المجلس العسكري بين وجهتي نظر؛ فالعسكريون يطالبون باستمراره بصلاحيات واسعة أما قوى التغيير تطالب بتسليمها السلطة كاملة باعتبارها أكبر دلالة على انتصار السلطة الشمولية وتأسيس البديل الديمقراطي.
وتقود قوى إعلان الحرية والتغيير مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي بدأت بعد فترة قليلة من تسلمهم السلطة بيد أن الطرفين لم يتوصلا بعد للاتفاق على حد أدنى معقول.
وترى المعارضة أن يتولى المجلس المشترك مهام السيادة والأمن والدفاع دون سلطات تنفيذية، فيما يتمسك العسكريون بالحصول على صلاحيات تنفيذية بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار. واقترحت قوى إعلان الحرية والتغيير مجلسا سياديا مكونا من 8 مدنيين و7 عسكريين وهو ما رفضه المجلس العسكري واقترح بدلاً عنه مجلسا مشتركا من 7 عسكريين و3 مدنيين.
قوى إعلان الحرية والتغيير سعت لإعادة ترتيب الأوراق بتقديمها مسودة دستور انتقالي تعمل على تعديل مسار المفاوضات مع المجلس العسكري، بالتركيز على تقديم التصور الآن هيكلا تنظيميا للسلطة في السودان والكيفية التي يتم بها تقسيم الصلاحيات والسلطات المختلفة بدلا عن نسب التمثيل.
القيادي في المؤتمر السوداني عزت الشريف، يقول إن الخلاف بين المجلس العسكري وقوى الحرية قائم على اختلاف التقديرات؛ ففي الوقت الذي ترى فيه قوى الحرية أن إدارة الفترة الانتقالية يجب أن تقوم على ميزان حجم التأثير في فترة إنجاز الثورة، ووفقا لهذا التقدير فهي الأحق بإدارة المشهد بعد أن ظل إعلانها مفتوحا أمام الجميع حتى إسقاط النظام ولم تتقدم بقية القوى للتوقيع؛ فيما اتت مشاركة العسكر متأخرة مما يعطيه حق المشاركة الرمزية.
ويواصل الشريف تحليله ويرى أن المجلس العسكري في مقابل ذلك، يرغب في إدارة الفترة الانتقالية وفقا لميزان قائم على حجم وقوة التأثير، معتمدا على ركيزتين: الأولى ترتبط بقوة الأجهزة النظامية، وثانيها تمثيل الغائبين من المدنيين غير المنضوين لقوى الحرية للتفاوض نيابة عنهم.
أدى التصور الأخير بحسب المتحدث السابق لمخاطبة قضايا غير جوهرية بالنسبة للقوات المسلحة، بعد أن سعى المجلس العسكري لأداء دور المحاور نيابة عن المغيبين، وبعد التصعيد الأخير بين الطرفين بات التفاوض أكثر جدية بطرح الصلاحيات على حساب الأنصبة.
مرونة وتقديرات
وأبدى المجلس العسكري قدراً من المرونة في التعامل مع قوى الحرية والتغيير، باعتبارها تمثل شريكاً في عملية التغيير وإعادة ترتيب الأوضاع فيما تكفل فريق الوساطة بتقريب وجهات النظر وتيسير المحادثات لا سيما فيما يلي تمثيل المدنيين عبر مجلس السيادة وآخر للأمن.
المحلل محمد عبد الحميد، يرى أن التطورات الأخيرة أعادت الأمور لنصابها، مشيرا إلى أن قوى الحرية أبدت تقدما في موقفها، إذ أكدت أن مؤسسات السلطة الانتقالية ستكون بمشاركة الحركات المسلحة، كما أنها أكدت أن المشاركة في إدارة الفترة الانتقالية تشمل كل القوى التي ساهمت في إسقاط النظام، ولا تنحصر في الموقعين على الإعلان.
غير أن المحلل السياسي محمد المصطفى جامع، لا يتوقع أن يتعاطى المجلس العسكري بإيجابية مع وثيقة الحرية والتغيير لسببين: أولهما أنه يسعى جديا للاحتفاظ بالسلطة وعدم تسليمها للمدنيين خاصة فيما يتعلق بالمجلس السيادي، وثانيها التدخلات الإقليمية في المشهد السوداني التي تدعم سيطرة المجلس العسكري وترغب في احتفاظه بأكبر قدر ممكن من السلطة.
وبين التفاؤل والتشاؤم، يبدو أن المخرج يرتبط بمناقشة المصالح الجوهرية للقوات المسلحة بدلا عن الحديث عن مصالح الآخرين، وتركهم للتفاوض المباشر مع قوى الحرية للبحث عن ضمانات لمصالحهم الجوهرية، وهو ما يقود لمخرج ثالث عبر تشكيل مجلس أعلى للأمن والدفاع يغلب عليه التكوين العسكري، ويشترك فيه المدنيون ويختص بمناقشة القضايا الجوهرية للقوات المسلحة والأجهزة النظامية، ومجلس سيادة يغلب عليه المدنيين بمشاركة عسكرية يختص بمناقشة المصالح الجوهرية للمدنيين.
إعلان معظم قوى الحرية والتغيير عدم المشاركة في المناصب التنفيذية في الفترة الانتقالية أعطى بعض التطمينات للأحزاب من خارج قوى الحرية والتغيير، التي أكدت مؤخرا أن المشاركة في الجهاز التشريعي ستكون للقوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير والتي لم توقع دون إقصاء لأحد بناءً على موقف أيدولوجي، ولكن وفقا من الموقف من النظام السابق ودعم عملية الانتقال من نظام شمولي لنظام تعددي.
خلاصة القول: تبدو مؤشرات حدوث توافق بين المجلس العسكري وقوى الحرية أكبر من أي وقت، مضى لا سيما في القضايا الجوهرية، فيما تبدو وثيقة “الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية” بحاجة لمزيد من النقاش والأفكار لتطويرها لتحقيق أكبر قدر من التوافق السياسي لإدارة الفترة الانتقالية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.