أمان الثورة السودانية.. دبلوماسيون في الميدان

 

 

الخرطوم: شهدي نادر

لم يكن أشد المتفائلين من المهتمين بالوضع في السودان، يتوقع نجاح السودانيين في عبور أولى خطواتهم نحو التغيير بالشكل الذي سارت به الأمور.. وما تزال الملايين تتراص أمام القيادة العامة للقوات المسلحة التي نجحوا في الوصول إلى أبوابها في السادس من إبريل المنقضي، معتصمين لحراسة ثورتهم حتى اكتمال عملية التغيير بالانتقال إلى سلطة مدنية كاملة. في سياق ذلك برزت الدعاوى وفتاوى الذي يعلم والذي لا يعلم عن تفلتات وعدم أمان يعيشه السودان.. فهل هذا صحيح؟

الوقائع .. ماذا تقول؟
الثورة السودانية في 19 ديسمبر بدت مختلفة منذ اندلاع شرارتها بمدن الدمازين وعطبرة والقضارف عن الثورات الأخرى التي اجتاحت المحيط العربي في السنوات الأخيرة..
وكانت أولى ملامح المفارقة الفترة الزمنية الممتدة إلى أكثر من أربعة أشهر من التظاهر قبل الانتقال إلى صيغة الاعتصام ليكون مجموع أيام الصمود 140 يوماً 113 موكباً وتظاهرة و27 اعتصاماً، وما يزال الشعب السوداني مواصلاً في اعتصامه منتظرًا تنفيذ مطالبه كاملة غير منقوصة..
العنوان الأبرز لطيلة هذه المدة كان الالتزام الصارم بالسلمية التي هزم بها السودانيون أعتى ترسانة عسكرية وأمنية وسياسية في سبيل العبور إلى تحقيق مرادهم بالحرية في أولى خطوات التغيير المنشود في انتظار إكمال الطريق لنهايته.
كوستيس في القيادة
التزام الثوار بالسلمية أجبر الكثيرين على تسجيل حضورهم بالقيادة العامة لمعايشة الاعتصام على أرض الواقع، بعربات ذات لوحات حمراء..
فكانت سيارة القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم استيفن كوستيس من أوئل الحاضرين كما ظهر في الفيديو المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدا مندهشًا، مطالبًا لدى زيارته مقر الاعتصام الثوار بمواصلة نضالهم السلمي والابتعاد عن العنف..
حينها قوبلت زيارة الرجل بحفاوة من قبل الثوار، وسعى كثيرون لتعريفه بجوانب غير ملموسة في الثورة السودانية الأصيلة..
عرفان في المشهد
كوستيس لم يكن الدبلوماسي الوحيد الذي يزور الاعتصام، فأعقبت زيارته زيارات دبلوماسية أخرى لمقر القيادة العامة، حيث زار السفير البريطاني عرفان صديق القيادة العامة الأسبوع الماضي، وطاف على أرجاء الاعتصام الممتد بالشوارع المحيطة بالقيادة، جالسًا يستمع إلى الثوار ورؤيتهم لسودان ما بعد 30 عامًا من الحكم الفاشل كما وصفه في مقاله الذي كتبه عقب خروجه من مقر الاعتصام الذي دلف إليه دون قيود أمنية وبروتوكولات دبلوماسية، ما دفعه إلى وصف ما شاهده بالقيادة في مقاله الذي بدأه بجملة :” ما رأيته دولة داخل دولة ” مبديًا اعجابه بالتنظيم الذي يسود بقعة الاعتصام بداية من دخول المعتصمين وخروجهم وأماكن الوجبات ومستوى التأمين وسياجه المضروب من قبل المتطوعين للعمل على خدمة الثوار.
كارين بوفن
على غير عادة الدول الأجنبية إبان ما شهدته دول أخرى من حراك احتجاجي سرعان ما تبادر السفارات الأجنبية وبالأخص سفارات الدول الغربية من تحذير رعاياها بغية الابتعاد عن محيط الاحتجاجات أو لزوم منازلهم والابتعاد عن التجول في المدن التي تشهد احتجاجات.
لكن صورة احتجاجات الخرطوم واعتصام الشعب أمام قيادة الجيش، تبدو مغايرة لما تعارف عليه العالم الغربي وقنواته الدبلوماسية التي كانت على رأس زوار محيط القيادة ملتزمين بضوابط الثوار التزامًا وضح جليًا عبر صورة السفيرة الهولندية بالخرطوم كارين بوفن، وهي تخضع للتفتيش من قبل ناشطات حين دخولها القيادة أمام إحدى نقاط الدخول في مشهد عقبت عليه السفيرة عبر تغريدة لها بوقع التدوينات( تويتر) بقولها: خالص امتناني لمنظمي الاعتصام الذين سهلوا زيارتي له .
سفيرة هولندا لم تبد انزعاجها مما تعرضت له من تفتيش يهدف في المقام الأول إلى تأمين محيط القيادة العامة من المندسين وأصحاب الأغراض من مرضى النظام البائد، ممن يحملون أي أدوات قد تعرض سلامة الآخرين للخطر. فخلال تغريدتها أبدت إعجابها بمدى احترافية الثوار من الجنسين وشجاعتهم وصبرهم ومثابرتهم ، في سبيل تحقيق غاياتهم في إيصال قطار التغيير إلى محطته النهائية عبر تشكيل حكومة مدنية انتقالية لتهيئة الوضع وتمهد له نحو بناء سوح ديمقراطي يحتكم إليه السودانيون لتحديد خياراتهم ومن يحكمهم.
دليل أمان
زيارات متعاقبة لأرض الاعتصام من قبل سفراء الدول الغربية يؤكد زوال المخاوف الأمنية من أن الخرطوم تعاني اضطرابًا، وهو ما ينفيه تجوال السفراء في شوارعها وطوافهم لتسيير أعمالهم، بالإضافة إلى عدم إرسال تحذيرات شديدة اللهجة لرعاياهم بالسودان، وإن كانت بعض الدول قد أرسلت تحذيرات لرعاياها في بداية الحراك على سبيل الاحتياط، إلا أن كل ذلك منافٍ للحقيقة التي يؤكدها تجول عدد من رعايا الدول الأجنبية أسوة بسفراء شكلوا وسجلوا حضورهم لئلا تتخطاهم لحظات للتاريخ كما كتب عرفان صديق سفير بريطانيا بالخرطوم حين اعتبر أن ذلك مصدر إعزاز وإلهام بالنسبة له .
اعتصام أمام القيادة، تبعه تنفيذ إضراب لضباط الشرطة السودانية من رتبة نقيب فما دون ليوم واحد، انعكس جليًا في شوارع الخرطوم التي شهدت اكتظاظًا مروريًا واختناقات، لكن دون أي حدث مدوي من جنوح أو ارتكاب جرم يرقى لمستوى تهديد سلم وأمن الخرطوم العاصمة التي تشهد استقرارًا على كافة الأصعدة وبالأخص من الناحية الأمنية.
رأي الخبراء
أستاذ علم النفس بجامعة إفريقيا العالمية د. محمد صلاح يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن النفسية السودانية تعاني هذه الأيام من ضغط أفرزه الترقب لمآلات الأوضاع التي تشهدها البلاد، منوهاً إلى أن سيكولوجية الفرد السوداني كقاعدة ثابتة تشير إلى أنه متفرد لذلك فإنه رغم المشكلات والأحداث الكثيرة التي شهدها السودان ظل جانحًا للسلم .
(خصوصية الشعب السوداني كانت المدخل للتمسك بالسلمية على المستويين المفاهيمي والعلمي، فهي مستنبطة من قيم السودانيين وعادات مجتمعهم، بالإضافة إلى أن تكذيب الشباب الذي مثل قوة دفع للثورة بأنه غير مؤهل لتحمل المسؤولية على المستوى الأسري أو الوطني لهذه المقولة كما يقول أستاذ علم الاجتماع بالجامعات السودانية د. عبدالناصر علي الفكي، الذي يشير إلى أن ما يجري في الشارع منذ ديسمبر يؤكد فشل الرسالة الإعلامية والعملية التعليمية الممنهجة للنظام البائد أولاً وكذلك استصحاب مساهمة العالم الخارجي في عملية التنشئة الاجتماعية كعامل خارجي للجيل الذي ساهم في صناعة الثورة ساهمت في إخراج الثورة السودانية بهذا التفرد من خلال وسائل التواصل الحديثة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.