هل لدى السودان فُرصة لحُرية حقيقيّة بعد سقوط الديكتاتور1؟

Andrea Böhm أندريا بوُم2
برلين – ترجمة حامد فضل الله
كيف تتشابه الصُّور – للوهلة الأولى. القاهرة 11 فبراير 2011، الخرطوم، 11 أبريل 2019م: الآلاف من الناس يهتفون ويغنون في الشوارع. حَدَثَ ما لا يُمكن تصوُّره، سقط الديكتاتور بعد ثلاثين عاماً. لقد حكم، المصري حسني مبارك والسوداني عمر البشير، فترة طويلة، وكلاهما من ضباط الجيش السابقين. عندما تولّى مجلس عسكري في القاهرة بعد رحيل مبارك، حذّر بعض النشطاء من أنّ السُّلطة قد ظلّت في أيديهم. ولكن مُعظمهم الآن في السجن أو في المنفى أو يصمتون.
عندما أسقط الجيش وقُوّات الأمن، البشير الأسبوع الماضي واستبدله بمجلس عسكري، ازداد غضب المُتظاهرين السُّودانيين. وهتفوا، “لقد بدأت الثورة للتو”. وطالبوا بتشكيل حكومة مدنية واستمروا في احتلال الشوارع والساحات. تخلّى على الفور، عوض بن عوف المُقرّب من البشير، وزير الدفاع عن رئاسة المجلس العسكري، بعد يومٍ واحدٍ فقط، لجنرال آخر هو عبد الفتاح البرهان، الذي رفع على الفور حظر التجوال، وأعلن عن إطلاق سراح المُتظاهرين المُعتقلين والقطع مع جهاز السُّلطة القديم. لا تزال حركة الاحتجاج، التي تقودها الآن سقف منظم وشامل من النقابات، مُستمرة – مع قناعة بأنّ هذه القوة العسكرية مُؤقّتة فقط.
كان عمر البشير أحد أكثر الناجين ذكاءً وعديمي الضمير، بين الأوتوقراطيين في المنطقة. لقد تَحَدّى كل الضُّغوط على مَرّ العُقُودِ، سواء أكان التّمرُّد أو الحظر التجاري أو تهديدات واشنطن أو مُذكِّرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتُهمة الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. لقد أسقط بوحشية التمرُّدات في الأقاليم المُهملة بالمُحيط، أو أغرى مجموعات فردية بمشاركة في المال والسلطة.
ولكن لماذا تحطّم الآن؟
أولاً، لأنّ حركة التمرد كبيرة ومتنوعة. ما بدأ في ديسمبر الماضي كاحتجاجٍ صَغيرٍ ضد الزيادة الحادّة في أسعار الخُبز، لتتوسّع في الأشهر التالية لتشمل تظاهرات حاشدة ضد الفساد والقمع وقوانين الشريعة والرعاية الصحية البائسة والتّضخُّم. إنّ الغضب المكبوت للعديد من السكان في الأقاليم النائية بدأ يتحرّر الآن، وأكثرها في دارفور، حيث قُتل ما لا يقل عن 200000 شخص وتشرّد حوالي مليونين ونصف المليون منذ عام 2003، الأمر الذي قاد إلى قرار توقيف البشير في عام 2010 عبر المذكرة الدولية، التي جاء ذكرها سابقاً.
بالمُقابل، طيف الانتفاضة واسع: التجار، الأطباء، المحامون، الطلاب؛ الرعاة والمُزارعون. كذلك الرجال والنساء؛ المُسلِّمون والمسيحيون والعلمانيون. تصرفاتهم حتى الآن مُنضبطة وسلمية، على الرغم من وجود جماعات مُسلّحة من الأقاليم المضطربة بين المُؤيِّدين أيضاً. وعلى رغم أنّ قوات الأمن فتحت النار مراراً وتسببت في مقتل العشرات من المُتظاهرين.
لقد ظهرت من ناحية أخرى، شُقُوق بسرعة في جهاز الأمن. بتعاطُف العديد من ضباط الجيش الشباب مع المحتجين في الشارع. يعلم البشير تماماً بعدم قدرة التنبؤ بالجيش. لقد أسقط المتظاهرون مرتين في التاريخ الحديث للبلد، ديكتاتوراً في عامي 1964 و1985، بعد أن وقف الجيش معهم. لذا حاول البشير إضعافهم بتحديث قوات الأمن المتنافسة: جهاز المُخابرات المُخيف والوحدات شبه العسكرية.
لكنهم اقتنعوا في النهاية، بأنّه من الحكمة إقالة الديكتاتور عن طريق الانقلاب بدلاً من التّسبُّب في حمام دم بالخرطوم.
ومع ذلك، فإنّ بداية نهاية البشير بدأت منذ عدة سنوات. لقد انفصل جنوب السودان في عام 2011، الذي تقطنه أغلبية أفريقية عن الشمال الذي يهيمن عليه العرب، بعد عدة جولات من الحَرب الأهلية المُدمّرة. فَقَدَت الخرطوم ثلاثة أرباع حقولها النفطية أمام الدولة الجديدة في الجنوب. هذه الانتكاسة الاقتصاديّة، إلى جانب الفساد والعُقُوبات وسُوء الإدارة، دفعت السودان إلى أزمة اقتصادية أعمق من أيِّ وقتٍ مَضَى. الزراعة، التي أُهملت لفترةٍ طويلةٍ لصالح تصدير النفط، الذي استفادت منه النخبة الحاكمة على وجه الخُصُوص، بينما في الوقت عينه كان لا بُدّ من استيراد القمح. عندما أوقف النظام دَعم الأسعار في نهاية العام الماضي وارتفع سعر الخُبز ثلاث مرات، بدأت حركة الاحتجاج.
لقد صاغت في غضون ذلك، “قوى الحرية والتغيير”، أفكارها خطياً للانتقال إلى حكومة مدنية ولإصلاح أجهزة الدولة. إنّها تَأمل في الحُصُول على دعم دولي من الولايات المتحدة وأوروبا – ربما دُون جدوى. ليس للحركات الديمقراطية في الدول الهشة حالياً أيِّ رواجٍ في واشنطن أو باريس أو برلين. لم يَبْقَ للسُّودانيين في الوقت الحالي، سوى الضغط على أنفاسهم وضغط الشارع.
ــــــــ

1 – Andrea Böhm, 17. April 2019, Die Zeit No 17
مواليد 1961 صحفية ألمانية، مراسلة منذ عام 2013 في بيروت للصحيفة الأسبوعية.2 ـ أندريا بوُم
الشهيرة “دي سايت” تصدر في هامبورج.
برلين في 21 أبريل 2019

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.