من أكتوبر إلى ديسمبر الأغنية الثورية السودانية مالها وما عليها

تقرير: سعيد عباس
يعتبر الجانب الفني والأدبي ركنا أساسيا مهما في أي ثورة من الثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية الوطنية لا سيما أن الشاعر والفنان يعتبران الجناح الثقافي والفني لأي ثورة من الثورات، وقد يكون لأثر الكلمة والنغم وقع أكبر من وقع القنابل والسلاح، فانظر إلى الثائرة والشاعرة مهيرة بت عبود عندما أرادت أن تستنفر أبناء قبيلتها لمجابهة جنود الاستعمار فوقفت وسطهم وأنشدت قائلة (لو اتراخيتو يا جماعتنا – أدّونا الدرع وهاكم رحاطتنا)، فكان لوقع تلك الكلمات أثر كبير وقوي في استنفار الشباب وتوافدهم لساحات الوغى والقتال. أما عن دور الشاعر والفنان في الثورات الشعبية الحديثة بالسودان فقد ظهر جليا في ثورة أكتوبر تنوع أدبي وثقافي متميز أطلق عليه المثقفون اسم (الأكتوبريات) ولم تكن 6 أبريل بأقل حظا من أكتوبر، إلا أن 19 ديسمبر الآن جاءت بشكل مختلف ومغاير تماما عما جاء به أكتوبر وأبريل.
أكتوبر
وضح جليا في ثورة أكتوبر 1964م كثافة الأعمال الفنية والدرامية التي وصفها الناقدون بأنها الأكثر والأروع بحسب وجهات نظر متباينة في ذلك، ومن درر الأكتوبريات ظهور الشاعر هاشم صديق (بالملحمة) التي غناها الفنان الكبير محمد الأمين من ألحان بهاء الدين ابو شلة مع كورال من خيرة الأصوات الموجودة بالساحة آنذاك تتقدمهم الراحلة أم بلينة السنوسي وجاء مطلع المحلمة (لما الليل الظالم طول
وفجر النور من عينا اتحوّل
قلنا نعيد الماضي الأوّل
ماضي جدودنا الهزموا الباغي). وكأنما الملحمة تم نظمها بصورة حماسية متصاعدة وذلك بسبب ارتفاع نبضات الحس الوطني والثوري كلما تقدمت أبياتها إلى الأمام إلى أن تأتي في (جانا هتاف من عند الشارع
قسما قسما لن ننهار)، ويرتفع النبض تباعا ويصل ذروته حينما يقول ود الأمين (لما مشينا مواكب صامدة
تهدر وتغلي وتهتف راعدة
الرصاص لن يفنينا
الرصاص لن يفنينا..) إلخ القصيدة التي تعتبر شعلة من الحماس والثورة، وبعد ذلك قدم محمد المكي إبراهيم (باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني) التي غناها العملاق وردي واعتبرها الثوريون شامة على خد الأعمال الثورية في تلك الحقبة، إلا أن الشاعر والصحافي الكبير فضل الله محمد الذي كان معتقلا في تلك الفترة وخرج من السجن صبيحة الثورة وكتب لمحمد الأمين (أكتوبر واحد وعشرين
يا صحو الشعب الجبار
يا لهب الثورة العملاقة
يا ملهم غضب الأحرار) وأردفها: (بشهر عشرة حبابو عشرة) و(المجد للآلاف تهدر في الشوارع)، فتسيدت تلك الأغاني الساحة لفترة أطول، فيما كتب الملحن والشاعر الكبير الطاهر إبراهيم للموسيقار وردي (شعبك يا بلادي ..
شعبك أقوى وأكبر
مما كان العدو يتصور)، وأطل الكابلي بصوته الجميل وهو ينشد ويترنم قائلا (هبت الخرطوم 
ضمدت بالعزم هاتيك الجراح)، وقدم إبراهيم عوض (الشعب ثار)، وقد كانت هتافا لعدد من التظاهرات. وأضاف محمد المكي إبراهيم رائعته الجميلة (جيلي) أنا التي يقول في أحد أبياتها (من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر)، وقدم الفيتوري لوردي (أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق).
6 أبريل
أيضا كان لثورة أبريل حظ مقدر من حيث الزخم الأدبي والفني ولكنها لم تكن مثل أكتوبر كما ونوعا، إلا أن وردي صدح بصوت طروب وعالٍ في يوم سقوط نظام الرئيس الأسبق نميري وغنى من كلمات محجوب شريف (بلا وانجلا حمدا ألف على السلامة اتهد كتف المقصلة)، وظهر الثنائي المتميز حيدر حدربي وحنان السجانة وقدما ملحمة (ثوري ثوري مهيرة السودان) في (دويتو) اعتبره كثير من المتابعين والنقاد بأنه الأفضل والأروع. حتى أطل الشاعر الأانيق الرقيق محجوب سراج مع الفنان صلاح مصفي في (جددناك يا اكتوبر في أبريل).
19 ديسمبر
تميز العمل الفني والغنائي في ديسمبر بلونية مختلفة ومغايرة تماما عما كان في اكتوبر وابريل وذلك لملاحظة أن كبار الفنانين والأسماء الفنية اللامعة لم تظهر حتى الآن بصورة جلية بأعمال فنية متكاملة وباينة للعيان، ولكن تفوق ديسمبر يظهر في كثافة الأعمال الفنية التي كانت كهتافات في التظاهرات والاحتجاجات إلى أن تحولت إلى أغانٍ كاملة الدسم. ويلاحظ أن ثورة ديسمبر أغلب فنانيها من الشباب المتظاهر الذين عبروا عن أنفسهم بكلمات أظهرت إحساس جيل جديد بمفاهيم أكثر حيوية وجرأة خصوصا أغنية (نحن الجيل الراكب راس ما بحكمنا رئيس رقاص) تلك الأغنية التي ملأت الأسافير ضجيجا بجانب عدد من الأعمال التي قدمها الفنان الثائر ايمن ماو على رأسها (قالوا جوا ينقذونا) و(رصاصة حية).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.