العروة الوثقى د. أحمد التجاني محمد

النصرة والبيعة للمجلس العسكري..!!

شارك الخبر

استلهم السلطان أحمد حسين أيوب علي دينار، ماضي آبائه المحفورة في ذاكرة التاريخ، وشكّل الإفطار السنوي لسلطنة عُمُوم دارفور الذي أقامه على شرف نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، حدثاً تاريخيّاً مُهمّاً، رسمت أهم معالم المرحلة المُقبلة من خلال اللوحة التي تشكّلت من كل صُنُوف الإداراة الأهلية، الذين حَضَرُوا خصيصاً لتأكيد وقوفهم ودعمهم ومُساندتهم اللا محدودة للمجلس العسكري الانتقالي للعبور بالبلاد إلى بر الأمان، الأمـر الذي استدعى زعماء الإدارة الأهلية لتحقيق إجماعٍ جهري، مع أخذ البيعة ولسان حَال الجميع يقول (هذا ما عَاهَدَ به المجلس العسكري وزُعماء الإدارة الأهلية).
سلطنة دارفور ظلّت على الدوام تُشكِّل لب الجوهر ولبابه، وما أدل على ذلك الحُضُور اللامع لزعماء الإدارة الأهلية، الذين جاءوا من كل بقاع السودان من كسلا وبورتسودان والبسابير ورفاعة وود رملي والسروراب والبطاحين والنيل الأبيض والجزيرة وشمال وجنوب وغرب كردفان، فَضْلاً عن جميع مُكوِّنات الإدارة الأهلية بولايات دارفور للمُشاركة في هذا الإفطار الذي يشرفه نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي وهو بكل المقاييس يُعد (بيعةً وعهداً وميثاقاً) وهو مُؤشِّر بدخول عُنصرٍ جديدٍ لتوطيد دعائم الصلة بين المجلس العسكري ومُكوِّنات الإدارة الأهلية التي يُشكِّل عُنصراً مُهماً في المُجتمع السوداني بل أساساً ومصدراً لها مما  أضفى على ذلك  ترجمة فعلية لعقد (البيعة والإجماع الجهري).
وخلال كلمته بهذه بالمُناسبة، أشاد سُلطان عُمُوم دارفور
بالقوات المسلحة وقوات الدعم السريع في حقن الدماء وتجنُّب البلاد شر الفتن، وأعلن تأييدهم التام للمجلس العسكري الانتقالي، مُنبِّهاً بخطورة الإقصاء التي تسعى لها قوى إعلان الحُرية والتغيير، مُؤكِّداً أنّ ما يمر به السودان يحتم على الجميع تحمُّل المسؤولية التاريخية.
بيعة الإدارة الأهلية للمجلس العسكري سوف يعكس 
أثراً مُباشراً للمرحلة المُقبلة، لأنّ البيعة تدعو للشوكة 
والاعتصام وتجنُّب البلاد مَزَالق الفتن، ولعلّنا نفهم في ضوء هذه (البيعة) تأكيد الإدارة الأهلية على هذه الخاصية مِمّا يندرج ضمن تأسيسه لوسيلة يُعد من أهم وسائل السُّلطة التي تستصعب على رجال السياسة نسج خُيُوطها وفي غياب المَد الجماهري التي تُشكِّلها الإدارة الأهلية، فإنّ خزان المَدّ الجماهيري ستصيبها الجفاف والنُّضوب.
أظهر المجلس العسكري الانتقالي، سياسةً مَرنةً في  تَخليص الفَجوة بين مُكوِّنات الإدارة الأهلية، وأشار نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو بالدور المُنوط بالإدارة الأهلية في بناء السُّودان الجديد، وأعلن مُوافقته لقيام المجلس الأعلى للإدارة الأهلية لمُواجهة التّحديات السِّياسيَّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، ولَعَـلّ طَبيعة هَـذه التّحديات تفرض على الجميع في ضوء عناصره الاعتصام لبناء أرضيةٍ صلبةٍ لمُواجهة التّحديات المَاثلة، شَريطة أن تُراجع تكوين مَجالس شُورى القبائل بطريقةٍ تتّسم مع المَرحلة الجَديدة  لتزكية الأدبيات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة وهو هدفٌ استراتيجيٌّ يُشكِّل في مجملها دعوةً حضاريةً لمنع حالة الاستقطاب الحاد بين القبائل.
لم يكن نائب رئيس المجلس العسكري مُبالغاً حينما  خَصّصَ جُزءاً من كلمته أمام هذا الحفل الكبير (لفك لغز) أحداث الثامن من رمضان بالقبض على قَتَلَة الثُّوّار بعد تسجيلهم اعترافات قضائية عن هذه الجريمة النكراء، مُتعهِّداً بتقديمهم لمُحاكماتٍ عادلةٍ. وفي تقديري، إنّ القبض على الجُناة يُؤكِّد سر اهتمام الدعم السريع بأمر المُتربِّصين بها، لأنّ التجرؤ على تشويه هذه القوات سيؤدي في نهاية المطاف إلى نزع صفة الانضباط وإضفاء طابع سيئ لا يهضمه الشعب السوداني.
نائب رئيس المجلس العسكري قَطَعَ بعدم السماح بتصفية الحسابات القديمة التي ظلّت عَالقةً في الأذهان منذ خمسينات القرن الماضي، داعياً لتَصفية النوايا والإجماع على خدمة السودان وهذا ما لحظناه خلال الأسابيع الماضية في إشاراتٍ لقُوى إعلان الحُـرية والتّغيير عن الارتباط الجدلي لطبيعة تلك الخلافات التّاريخيّة.. والمُلاحظ في هذا الصدد أنّ الفريق أول “حميدتي” أشار إلى الدّور المنوط بالشرطة في حفظ الأمن بعد إعادة انتشارها، كل ذلك يبرِّر لماذا تمّت إعادة هيكلة الشرطة ودفع الغُمُوض الذي صَاحَبَ عملية انسحابهم من الشارع.
الكسب الحرام، والتّسلُّط غير المشروع، وإساءة استخدام  الوظيفة العامّة، لم يغب عن حديث نائب رئيس المجلس العسكري، لأنّها شغلت الرأي العام، وظلّت تُشكِّل حديث المدينة، قاطعاً القَـول بمُلاحقة كُل من سرق ونهب أموال الشعب السوداني، وبذلك تفادى اللغط الدائر في الشارع.
وفي المُقابل، لم يغفل “حميدتي” ويغض الطرف عن
الأموال التي تَأتي من الخارج لشراء السِّياسيين لتمرير الأجندات غير الوطنية، مُرحِّباً بكل ألوان الطيف السوداني وقال: “فقط ما يهمنا الشخص الأمين العادل”.
الختام كان عن البشريات بالخير الوافر والتي تزخر بها السودان واستغلال تلك الإمكانَات خلال هذه الفترة البسيطة، ممّا وفّرت لخزينة الدولة فائضاً بملايين الدولارات بعد أن كانت خزائن بنك السودان فارغة وخاوية على عروشها  ودُون أن يمدوا أيديهم للغير، وبكل المقاييس فإنّ السياسات الجديدة سيُساهم في استقرار سعر الصرف وإنعاش الاقتصاد السوداني وكبح جماح التضخم، وأحسب أنّ المجلس العسكري خلق أرضية جيدة، ومَهّدَ الطريق أمام حكومة الكفاءات القادمة التي بشّر بها “حميدتي”، وقال إنّها ستُشكّل من شخصياتٍ مُستقلةٍ وُصُولاً لانتخاباتٍ حُرّة ونزيهة تعقب الفترة الانتقالية.
أخيراً.. فإنّ الاستنتاج عن نتائج لقاء زعماء الإدارة الأهلية بنائب رئيس المَجلس العَسكري كبيرة، أشرنا إلى نماذج منها، وإلا فإنّ أيِّ قراءة مُتأنية بين سُطُورها بحاجة لسفرٍ خاصٍ.. فصيغة الخطاب جاءت مُضَمّنةً  لنقاطٍ كثيرةٍ لو شرحناها لطال.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.