همسة تربوية د.عبدالله إبراهيم علي أحمد

لا تكن أسداً ولا حملاً وديعاً

شارك الخبر

هنالك استبداد وتسلط يمارسه بعض الناس، حيث يتخذون القرارات دون اكتراث بآراء وتطلعات الآخرين.
في واقع الأمر فإن هذا النوع من التسلط والاستبداد، ليس قاصراً على البعض فقط، ولكن نجده حتى بين الحكومات والشعوب، وعلى الصعيد الأسري أو الاجتماعي، قد تمارس الأم هذا التسلط على أولادها، وقد يمارسه الأب على أسرته، وقد يمارسه المدير على العمال والموظفين، والمسؤول على من هم تحت ولايته، فضلاً عما تمارسه بعض الأنظمة والحكومات على مواطنيها من استبداد ودكتاتورية.
ولئن كان هذا النوع الخطير من الاستبداد مرفوضاً، فإن هناك نوعاً آخر من الاستبداد والديكتاتورية لا يقل خطورة عنه، إنه نوع يتمثل في فرض بعض أهل الفكر والثقافة والإعلام وصايتهم على عقول الناس وأفكارهم، وذلك بمحاولة فرض آرائهم وقناعاتهم على الجمهور، ومقابلة كل من يخالفهم بالسخرية والتنقص والتسفيه، ولنا أن نسمي هذا النوع بالديكتاتورية الفكرية.
إن الديكتاتورية الفكرية أصل أصيل للديكتاتورية الإدارية، فإن المسؤول أو الحاكم الذي يتخذ قراراته دون الرجوع إلى من هم تحت ولايته، لا يفعل ذلك إلا لأنه يرى آراءهم لا قيمة لها وأنه أوتي من الحكمة ما لم يؤت لغيره، ولسان حاله يقول:
(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى).
إن خطورة الديكتاتورية الفكرية تظهر في كونها تؤثر على أفكار وعقول من تُمارس عليهم، مما يترك آثاراً كبيرة على حاضرهم ومستقبلهم حيث تصبح نظرتهم للأمور أحادية قاصرة، بينما الديكتاتورية الإدارية تكون مؤقتة تزول بزوال سلطة الأب أو المسؤول أو الحاكم ولا يكون لها غالباً سلطان على عقول الناس.
من المفارقات العجيبة أن بعض الدعاة والمربين ممن ينتقدون ويهاجمون الديكتاتورية الإدارية، يمارسون في بيوتهم أو دعوتهم نوعاً من أنواع الديكتاتورية الفكرية حيث لا مجال للرأي الآخر، وحيث النقاش والحوار ممنوع، ولنلاحظ أن الاستبدادُ هو غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النصيحة، أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة، وهناك كلمات مرادفة لكلمة استبداد، مثل استعباد أو تسلط أو تحكم، والمستبد هوالجبار والطاغية، فالاستبداد هو نار غضب الله في الدنيا والجحيم هو نار غضبه في الآخرة، فالمستبدون يتولاهم مستبد، والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى:
(كما تكونوا يُولَّى عليكم)، كما يبغض المستبد العلمَ ونتائجه، يبغضه أيضاً لذاته، لأن للعلم سلطاناً أقوى من كل سلطان، فلا بد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علماً، ولذلك لا يحب المستبد أن يرى وجه عالمٍ عاقل يفوقه فكراً، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار الغبي المتصاغر المتملِّق، وعلى هذه القاعدة بنى ابن خلدون قوله: (فاز المتملقون)، وهذه طبيعة كل المتكبرين.
والخلاصة أن الاستبداد والعلم ضدان متغالبان؛ فكل إدارة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم، وحصر الرعية في حالك الجهل. والعلماء الحكماء الذين ينبتون أحياناً في مضايق صخور الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار الناس، والغالب أن رجال الاستبداد يُطاردون رجال العلم وينكلون بهم، ولذلك المستبد لا يخرج أبداً عن أنه خائن.
والعبارة أعلاه بعنوان المقال:
( لا تكن أسداً ولا حملاً وديعاً) أشير إليه كتنبيه للابن الأكبر في غياب دور أبيه بسبب وفاته أو انفصاله عن الأسرة، فيتحول البعض من الأبناء إلى متسلطين على إخوانهم الصغار، فهذه الفجوات المذكورة أعلاه تخلق تسلطاً دكتاتورياً في تعامل الأخ الأكبر مع أفراد أسرته، فنجد البعض منهم يقوم بدور الشرطي المتسلط على أهل بيته، يضرب هذا ويذم هذا ويشتم ذاك، والبعض الآخر تتحول معاملته إلى معاملة رخوة مرنة لأبعد حد وسهلة جداً، لا تسمن ولا تغني من جوع وهذه سلبية لا نريدها، فعلى الابن الأكبر اتباع الوسطية والتوازن في معاملته مع أهل بيته في حالة غياب الوالد .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.