*أنطون جورج أنطون طباخ

** فلتكن حُلولنا سُودانية – كإبداعات ثورتنا السُّودانية *

شارك الخبر
  • لما كان الحسد والحقد موجوداً بين الناس كأشخاصٍ طبيعيين، فكذلك هو موجودٌ بين الدول كأشخاصٍ اعتباريين؛ سَيما وأنّ من يمثل الدول هم أناسٌ، والسُّودان يزخر بثرواتٍ ومَوارد طبيعيةٍ ضَخمة، تَجعله مَحطاً لأنظار غيره من بعض الدول؛ وبما لا يخلو من حسدٍ وشيءٍ من الحقد – وبالتّالي فمهما كَانت مَساعي الدُّول الأخرى لرأب صدعنا السوداني؛ حميدةً، لن تكون بحالٍ مثل مَساعينا السُّودانية؛ التي تنبع من تُراثنا وشَخصيتنا المُتفرِّدة، والتي تُراعي وقبل كل شيءٍ مصالح بلادنا الحبيبة؛ دُون غيرها من المَصالح، فَمَا من دولةٍ تَعمل على حَلحلة مَشاكل غيرها من الدول؛ إلا وتكون تلك الحلول مُتوافقةً مع مصالحها هي أولاً:
    فيا بني أمتنا السودانية؛ فلتتحابوا في الوطن الذي يجمعكم عشقه، ولتنبذوا الحَسد والحِقد فيما بينكم؛ وتضعوا السودان في قُلُوبكم وفي حَدقات عُيُونكم، فكل شيءٍ يُمكن تعويضه؛ إلا الأوطَـان فهي لا تُعَوّض – ولنا في الدُّول من حولنا عظةً وعبرةً – ولنجعل من إبداعات ثَورتنا السُّودانية؛ إلهَامَاً لنا لنبتدع حُلُولنا النابعة من دواخلنا السُّودانية الأصيلة.
  • لا شكّ أنّ ما حدث من فَضٍّ للاعتصام؛ هو خطيئة كُبرى، لا يغفرها إلا الغفور الرحيم؛ ولن تجد لها نصيراً مِمّن يحبون وطنهم – ولا شَكّ أيضاً أن ما حدث؛ ما كان ليحدث إلا بمشيئة ربنا رب العزة والمجد – وهنا لا بُدّ لنا من الإشارة لمقولتنا الشعبية التُّراثية (كلو لي خير) – ومن ثَمّ فقد وجب علينا النظر إلى الأمر من هذا الجانب، واضعين بلادنا في حَدقات عيوننا؛ ومُعلِّين من شأن شهدائنا الأبرار وجَرحانا الغُر المَيامين، الذين ضَحُّوا بأرواحهم ودمائهم لنهضة ورِفعة سُوداننا الحبيب، والذين لن يرضيهم إلا الوصول الى الغايات الوطنية النبيلة، التي بذلوا الغالي والنفيس من أجل تحقيقها واقعاً مَلموساً لشعبنا السوداني المُعلِّم.
  • ومن هذا المُنطلق علينا أن نسأل أنفسنا وجناحي وضع الخُطط للسودان (التّفاوُض)، وهُمَا المدنيون والعسكر – ما الذي يُرجى الوصول إليه من خلال ما يقوم به كل منهما من تَصعيدٍ؟ وهل هو وقبل كُلٍّ شيءٍ؛ يُصب في مصلحة بلادنا الحبيبة؟
  • من خلال ما قدّمنا له في هذا المقال؛ يَثبت وفي جَلاءٍ تَامٍ، أنّ ما نشهده من تصعيدٍ؛ إنّما يُصب وبالكامل فيما يَضر وبفداحةٍ ببلادنا الحبيبة – وَهُنَا لا بُدّ من التّذكير؛ أنّ الخوف ليس له مكانٌ في قلوب الشعب السوداني الأبي، فهم قد خرجوا من مَحبسهم في قَمقم اللا مُبالاة؛ وأصبحوا مارداً بحقٍ وحقيقةٍ، ولن يَستطيع أحدٌ كائناً من كان؛ أن يثني من عَزيمتهم الوصول الى غاياتهم النّبيلة المُعلنة (حرية.. سلام وعدالة)، فهذا الشعب المَارد المُعلِّم وبإذن مالك الملك جل شأنه؛ واصل لغاياته لا محالة.
  • كما نُذكِِّر أيضاً أنّ الكل ذاهبٌ ويبقى الوطن؛ إمّا حراً أبيّاً فخوراً بأبنائه، وإمّا ذليلاً مُهاناً ناقماً على بنيه – وكل ذلك سيذكره التاريخ دُون مُحاباةٍ لأيِّ أحدٍ من الجناحين، فإمّا عِزاً واعتزازاً وفخراً بهم؛ يلحقه دعاء الأجيال بكل الخيرات لما قاموا به، وإمّا ذماً وتقبيحاً لهم؛ يلحقه ذات دعاء الأجيال ولكن بكل الشرور عليهم – وهُنا علينا أن نطلب من شَعبنا السُّوداني العَظيم؛ أن يدعو لسُودانهم بكل الخير والعِز الذي يَستحقه، وأن يَسوق لهم من يضع بلادهم على بداية الطريق الصحيح؛ ليمضي بها قُدُماً نحو المجد والعز والفخار.
  • على الكل في هذه اللحظات التاريخية العصيبة؛ أن يُشعل نار غِيرَته على وطنه، لا أن يُشعل النار في وَطَنِهِ، وعلينا ألا نتبارى في إظهار صوابنا وخطأ الآخرين، كَمَا يجب علينا جَميعاً أن نكظم غيظنا ونبتلع مراراتنا؛ ليس خَوْفاً على النفس ذائقة الموت لا مَحالة، ولكن خَوفاً على الوطن الباقي رغم كيد الأعَادي؛ وحُبّاً ورفعةً له، وأن نجعل من سُوداننا المكلوم وبأيدي بنيه؛ شَغلنا الشاغل والأوحد، لنداوهِ بذات أيادينا التي كانت سَبَب جراحاته؛ علذه يغفر لبنيه.
  • ونحن من خلال مُتابعاتنا لكل ما يقول به السيد نائب رئيس المَجلس العسكري الانتقالي، فقد ثبت لنا حقيقة الخلاف الجوهري؛ بين المدنيين والعَسكر، والمُتمثل – وفق قوله مُؤخّراً – في انفراد قِوى الحُرية والتّغيير؛ بنسبة ثلثي المجلس التّشريعي المُزمع إنشاؤه في الفترة الانتقالية، وما يُمكن أن يَترتّب على ذَلك مِن سَنِّ قوانين؛ تُبعد المُكوِّن العسكري من المَشهد السِّياسي.
  • وبنظرةٍ قانونيةٍ فاحصةٍ؛ فقد ثَبَتَ لنا صحة ذلك وإمكانية حُدُوثه على أرض الواقع، لأنّ المفاهيم والأُسس التي تم التّفاوُض وفقاً لها، كَانَت تَتَعَارض في المُجمل مع العلوم القانونية المُتخصِّصة، وقد أوضحنا ذلك في مقالٍ سابقٍ لنا بعنوان (التفاوُض بين المدنيين والعسكر.. رؤانا القانونية المُتخصِّصة – للتّاريخ).
  • إذَن مَا هُو الحَل الذي يُرضي السُّودان – ولن أقول الطرفين – لأنّ السُّودان هُـو صَاحب الشّأن الأصيل، والذي انبرى جناحا التفاوُض (وليس الطرفان) لوضع الخُطط له – وليس للاتّفاق بينهما؟
  • إنّ الحل السُّوداني الخالص الذي نَطرحه على الجناحين، والذي ينطلق من غيرةٍ حقيقيةٍ على الوطن؛ وحُبّاً له وعشقاً لترابه، والذي تَسنده وبالأساس العلوم القانونية ذات الشأن، ما يجعل من تبنيه وإنزاله على أرض الواقع؛ تأسيساً مَتيناً للحكم في البلاد خلال الفترة الثورية الانتقالية، يُزوّد عنه ويَحميه بقوةٍ من الانهيار، ما ينعكس رضاءً لسُوداننا الحبيب؛ وإسعاداً طال انتظاره لجماهير الشعب العظيم – هذا الحل هو العودة وبأعجل ما تيسّر لمائدة وضع الخُطط للسُّودان (التّفاوُض) – فقط مع إصلاح مفاهيم وأُسس ذلك التّفاوُض؛ وفق ما أوضحناه تفصيلاً في مقالنا السَّابق – (المدنيون والعسكر جناحان لطرفٍ واحدٍ مصالحه واحدة “السودان” – لا تقييد للثورة – إنشاء مجلس السيادة باختصاصاته وسُلطاته المذكورة) – ومن ثَمّ سيلمس الجناح العسكري عَملياً وعلى أرض الواقع، بأنّه ليس هنالك ما يستدعي إعادة النظر في نسبة ثلثي المجلس التشريعي، فالجناح المدني لن يَستطيع التّحليق بمُفرده، فهو دوماً في حاجةٍ لجناحه الآخر ليُحلِّقا مَعَاً بالسُّودان عالياً، تماماً كصقر الجديان (رمز وشعار الدولة)؛ الذي لا يُمكنه التّحليق بجناحٍ واحدٍ – فما ارتأيناه من سُلطاتٍ واختصاصاتٍ للمجلس السيادي؛ والتي من بينها المُصادقة على القوانين، يقف حائلاً دُون نفاذ أيِّ قانون يصدره المجلس التشريعي؛ ما لم تتم إجازته بواسطة المجلس السيادي – ونحن على استعدادٍ تامٍ لحمل دعوات وضع الخُطط (التّفَاوُض) ووفق رؤانا القانونية، مع شرحها للجناح الآخر – ونذكر هنا ما ارتأيناه من نَصٍّ في هذا الصدد، فهو كالتالي:
    [4- (1) يتولى المجلس السُّلطات الكاملة لأعمال السيادة في جمهورية السودان؛ بما في ذلك إجازة القَوانين التي تصدر أثناء الفترة الانتقالية، وتتم إجراءاته وإصدار قراراته وأوامره بالتّوافُق التّام؛ وفي حالة الاختلاف يتم ذلك بأغلبية ثُلثي المجلس – على أنّه في حال عدم تَوافُر نصاب الثلثين؛ مع الخلاف بين المُكوِّن المدني للمجلس، تتم الإجراءات والقرارات والأوامر بالمُكوِّن العسكري للمجلس فقط؛ في حَال اتّفاقه – وكذلك في حَال عَدم تَوافُر نِصَاب الثُّلثين؛ مع الخلاف بين المُكوِّن العسكري للمجلس، تتم الإجراءات والقرارات والأوامر بالمُكَوِّن المدني للمجلس فقط؛ في حَال اتّفاقه – ولا يكون للرئيس صَوتٌ مُرجِّحٌ – وفي جميع الأحوال تصدر القرارات والأوامر ممهورةً بتوقيع كل من رئيس المجلس؛ ونائب الرئيس الأول للمجلس].
  • ومن ثَمّ يثبت وفي جلاءٍ تامٍ؛ أنّنا لسنا في حاجةٍ لمليون شهيد، بل ولسنا في حاجةٍ لسفك قطرة دمٍ سُودانيةٍ واحدة، فكل ما نحتاجه هو فقط مُجَرّد تصحيحٍ لمفاهيم وأُسس ما نقوم به من تفاوُض – دُونما حاجةٍ لإعادة النظر فيما تَمّ من تفاهُماتٍ – فهل يستدعي ذلك مليون شهيد؟! إنّ ما أحاط بالسودان من أحزانٍ نغصت عليه أحد أعياده المُهمّة، لا يُوجد مَا يَجعله يَتَحَمّل مزيداً من الأحزان؛ ولو بسقوط شهيدٍ واحدٍ – ونحن من جانبنا وإضافةً لما سُقناه من حَلٍّ، نرى لِزاماً أن تُستأنف عملية وضع الخُطط للسُّودان (التّفاوُض)، بشرطٍ واحدٍ فقط؛ لن يرفضه إلا عميلٌ لأعداء السُّودان، ألا وهو حُب وطننا السُّودان العظيم – بمشيئة الحليم جل شأنه – وبأداء قَسَمٍ ولنُسَمِّه “قَسَم التّفاوُض” – ونرى أن تكون صيغة ذلك القسم كالتالي:
    [أقسم بالله العلي العظيم؛ أن أكون مُخلصاً وصادقاً في ولائي للسودان دُون غيره – ودمائي وروحي فداء له – وأن أقوم بواجبي كأحد جناحي التّفاوُض عن السُّودان – الطرف الواحد بكامل مَصالحه أولاً وأخيراً – بكل جدٍّ وأمانةٍ؛ وبطريقةٍ تُعلي من شأن السُّودان، وتُراعي مَصالحه فقط؛ دُون غيرها من المصالح الشّخصيّة أو الحزبيّة أو الجهويّة وخلافها، وأن أعمل بأقصى جُهدي وبأسرع ما تيسّر؛ مَع الجِناح الآخر، عَلَى وَضع أفضل الخُطط للسُّودان دُون غيره، وأن ألتزم بمَبادئ الثورة وأحميها وأُحافظ عليها، واضعاً في ضميري وأمام عيناي أيقونة شُهداء وجرحى الثورة الأبرار من أبناء الوطن، الذين بذلوا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الذكية فداءً لسودانٍ جديدٍ عظيم – والله تعالى على ما أقول شهيد].
  • وهيا لنعمل مَعَاً بروحٍ وطنيةٍ خالصةٍ لسُوداننا الحبيب دُون غيره، ولنضعه بقناعةٍ مُترسِّخة وبإرادةٍ قويةٍ في مَصَاف الدول المُتقدِّمة؛ بل والعُظمى وليتعاظم عليها – وعَظَماتي لله وحده (مقتبس من الوالد رحمة الله تعالى عليه).
    *والله تعالى المُوفق لما فيه خير البلاد والعباد،،،
شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.