أميمة عبدالله

في ساحات الفداء (٢)

شارك الخبر

لم نكن جزءا من صناعة تلك الأحداث بيد أننا أحيانا نشعر ببعض الشغف تجاه محطاتٍ كنا بعيدين عنها لكنها شكلت أهمية كبيرة في مرحلة من تاريخ السودان الحديث لطالما كانت تجربة الجهاد في جنوب السودان تشغلني لذلك كنت أعتبر أن برنامج في ساحات الفداء وتلك المشاهد الباذخة الجمال الوافرة اليقين بقناعاتها، علامة كبيرة في عقلي الباطني أتذكرها كل فترة دون سببٍ واضح لي أو ربما أتذكر ها للشباب الذين استشهدوا أثناء دراستنا الجامعية وكانوا زملاءً لنا، وقتها كنت بعيدة تماما عنهم ولم أسمع لهم يوما ولم يكونوا ضمن دائرة أصدقائي لكنهم كانوا من الطلبة المتفوقين دراسيا بالجامعة وكانت تجمعني معهم قاعات الدراسة فقط.
ربما ذلك من ضمن الأسباب التي جعلتني أتحدث مع الكثيرين عن ذلك البرنامج بعد تخرجنا بسنوات.
ما كتبته في العمود السابق عن برنامج في ساحات الفداء قد جعل البعض يقرأه بطريقة مغايرة لما افكر به لذلك أولا أنا أعتذر حقيقة عن الأذى الذي ألحقته دون أن أقصد ببعض الأصدقاء الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، فأنا أعتقد أن كل من يقرأ لي هو صديق أجعل تعليقه وتعقيبه في موضع الاهتمام حتى وإن كانت الدروب مختلفة.
التساؤلات الكبيرة التي طرحتها في العمود السابق قد تكون بعيدة عن واقعهم في ذلك الزمان، لكنها بأي حال كانت مجرد محاولات للتفكير بصوت عالٍ في مرحلة مضت لم نكن قريبين منها وظلت آثارها باقية.
أعلم يقينا أن مشروع برنامج في ساحات الفداء كان تاريخا مقدسا عند الكثيرين وقد شكل حياة بعضهم بل أنه ساهم بشكل كبير في مستقبل بعضهم أيضا لعظيم التجربة وقوة تأثيرها على نفوسهم وصدقهم الكامل فيها.
أثق أن هذا البرنامج أنتج أسماءً من بعد ذلك تأثرت بتلك التجربة مثل دكتور الأرقم وفتح العليم دفع الله وسيف الدين حسن والكثيرين الذين لا نعرفهم وأخذتهم الدنيا بعيداً.
لكن ذلك لا يعني عدم مراجعة تلك الفترة وليس بالضرورة المراجعة للنقد أو التقليل من أهميتها بل أن المراجعة تعود للأثر الكبير الذي تركته وكيف كان وقع الكلمات القوية والصورة المكملة لها، في تغيير مسار بعضنا، كل مرحلة من حياتنا تمضي تترك بقاياها كيفما كانت.
نحترم قناعات الناس لأن الاختلاف آية لكننا بأي حال في بلد واحد تختلف فيه المذاهب والأحزاب والدروب وتبقى المشاعر الإنسانية هي القاسم الذي يشربكنا مع بعضنا.
وتظل مثل هذه المشاريع والأفكار والبرامج الإبداعية المختلفة هي مبادرات بشرية تقبل المراجعات والحديث حولها حتى وإن كنا بعيدين ساعة صناعتها وحبكة سردها وأعني بحبكة السرد الرواية التي تم التقديم بها وليس الكذب في القصة مطلقا لم أقصد التشكيك في صدقهم بل كنت أفكر في استشهاد حوالي خمسة وعشرين ألف شاب كانوا من الممكن أن يكونوا نجوما مضيئة تساهم بشكل واضح في مستقبل هذه البلاد والتي ربما كان من الممكن أن يكون لها قدر مختلف إن بقوا على قيد الحياة.
أيضا تشغلني تلك القبور التي صارت غريبة الآن في بلد آخر، قليل من يزورها ليلقي عليها السلام.
أقول هذا الكلام بكل مسؤولية وشجاعة تقديرا لأولئك الذين استشهدوا في سبيل مبادئهم وقناعاتهم وبلادهم.
وأيضا اعتذار لمن مازالوا على قيد الحياة ومستهم كلماتي في العمود السابق.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.