همس الكلام حسين الخليفة الحسن

” الأصم”…والعبقرية الصامتة

شارك الخبر

بعد أدائي لصلاة العشاء، وترطب لساني بذكر الله ، وقبل أن تتثاءب ليلة السبت الأخضر: “سبت” فرح الوطن، أويت إلى مضجعي المتواضع متوسداً الفرح الباذخ، داهمني نعاس فاتر مباغت، صرعته نشوة الفرح. مزقت تلك الليلة الملتهبة بالمشاعر سهاداً، دعاء وتمني، حتى أصبح الصبح لا السجن، ولا السجان باقٍ. وكان الفرح الأكبر، وطوال يوم ذلك السبت البهيج احتضنت عيناي المثقلتان بحمى سهر الليالي، رفيق فرحي تلفازي الهرم، متابعاً مراسم عرس الوطن: التوقيع النهائي لوثائق الفترة الانتقالية، زخم من الحضور الوسيم، حشد بشري من علية القوم ضاقت بهم جنبات القاعة الرئاسية وكادت أن تنقبض أنفاسها، جاءوا فرحين مستبشرين مشاركين في العرس:من قلب إفريقيا، من أوروبا، من بلاد العرب، من أمريكا ومن أهلنا الغبش.
خيوط من التفاؤل والأمل الزاهر كأنها تتقاذف من عيون الحاضرين. وزغرودة الفرح الباذخ تنطلق من حناجر الكنداكات وتغمر القاعة الوسيمة الأنيقة بالبهجة. والسرور. وتعاقب على المنصة عقد نضيد من المتحدثين المهنئين ودموع الفرح الخفية تحتشد بالمآقي. وفي خضم ذلك الزخم الاحتفالي، هب واقفاً شاب في مقتبل العمر، فارع الطول، تكسو وجهه طبقة من وسامة هادئة، اعتلى المنبر وسط ترقب حذر من الحضور، إنه الدكتور محمد ناجي الأصم القيادي بقوى الحرية والتغيير جاء متحدثاً نيابة عن رفقاء دربه.
وفور اعتلائه المنبر ضجت القاعة بتصفيق صاخب، وانطلقت الحناجر الملتهبة المرهقة تردد شعار الثورة، كما توشح المنبر مشاركاً بثوب الحسن والبهاء، مرحباً بالنضارة الشبابية الجاذبة. وقف محدثنا الشاب “الأصم” كالطود الشامخ محيياً الأقران.تحدث وتحدث…وانسابت الدرر من الذاكرة البضة اليقظة. فخفقت القلوب، وعاصفة من الذهول والإعجاب تحط برحالها بوجدان ملتهب لحصافة وبلاغة ونجابة الشاب المتحدث. فأذهل الجميع وكان محل فخرنا واعتزازنا نحن رجال الزمن الجميل.
عشاق الوطن. ليأذن قارئي الحصيف لذاكرة قلمي المحبة للوطن أن تجود في حياء بتحليلanalysis مقتضب لخطاب الحرية والتغيير. وهو جهد المقل.
أولاً:الخطاب بمثابة برنامج عمل، وخارطة طريق road map لإنجازمهام الفترة الانتقالية بنجاح.
ثانياً: الخطاب تشبع بالحكمة والحنكة والمرونة, والخشونة الناعمة المندسة في حياء، والحصافة اللفظية، والذكاء المتوقد “والحرافة” tactful…ونجابة الذهن، وفيه انعاش وإحياء وتذكير بقيمvalues المجتمع السوداني المتوارثة من تسامح وطيب معشر ونكران للذات.
ثالثاً:الخطاب كامل و شامل comprehensive لكل هموم المرحلة ووسائل العلاج نذكر منها : السلام، معاش المواطن،المحاكمة والمحاسبة للمفسدين والمجرمين، صداقة الشعوب، توطين النازحين، نبذ الانتقام revenge والإقصاء، غرس النبت لحكم عادل راشد.
رابعاً: الخطاب فيه تعضيد لثقافة الاستشهاد وتعظيمها وتتويجها.
خامساً: الخطاب التزم بالحفاظ على مكتسبات الثورة، وأهدافها النبيلة وحث الجميع على الحرص عليها، والعض عليها بالنواجذ.
سادساً: الخطاب ناشد المواطنين لتوحيد الصف والكلمة لبناء الوطن، ودحض الشائعات، وإسكات أصوات الشامتين المندسين، مروجي الفتن.
سابعاً: الخطاب توخى أسلوب السهل الممتنع وحظي بالسلاسة، رقة اللفظ، عذوبة العبارة وسحر البيان.
ثامناً: برع وأجاد”الأصم” في الإلقاء فأكسب الخطاب جاذبية ومتعة المتابعة، فالهب المشاعر، وأثلج الصدور. ولم يبخل ” الأصم” على الحضور الأنيق بحزمة من بسمات مشبعة بالأمل والتفاؤل. فازال هاجش الريبة والشك.
تاسعاً: الخطاب سعى لطمأنة القلوب الواجفة، بأن جذوة الثورة لن تنطفئ، ولن تخبو نارها. وسيكون الجميع حماتها، من الخطف، السرقة أو الوأد.
عاشراً: دكتور محمد ناجي الأصم كان أنموذجاً moduleهادئاً رزيناً في مهمته التي أتقنها أمام نخبة من رؤساء الدول وعظماء القوم، فولج بوابة تاريخ الوطن مع زملائه الشباب الآخرين فهنيئاً لهم.
نما إلى علمي أن الأصم ورفاقه الميامين زاهدون في السلطة، وبغضهم للبريق الزائف. وأقولها بملء فمي إن ثورتنا أصبحت بأيدٍ أمينة. نحن معلمو السودان، وأعضاء المنتدى التربوي السوداني نفخر ونعتز بأن وثائق الفترة الانتقالية قد اعتمدت بتوقيع الأستاذ المعلم أحمد ربيع القيادي بالحرية والتغيير.فهذه بارقة أمل بأن المعلم ستعاد له سيرته الأولى ألقاً وشموخاً في العهد المشرق الوضيء المرتقب. حفظ الله الوطن من كل بلاء.

شارك الخبر

Comments are closed.