محمود حسن سوار الدهب

خاتمة الإنقاذ وثورة الإعجاز

شارك الخبر

ونحن في هذا الزمان الغابر فلينظر المُسلم حوله وأين يقف من مقامات التّوكُّل والإخلاص والمَحَبّة والتّوجُّه الصحيح في الدين، ونخص الشباب وهم يمثلون مكامن القوة والعطاء والعنفوان، هل نحن نسكن منازل أهل شرع الله المُضيئة بنوره، السائرين بهديه إلى عين الحقيقة، للوصول إلى مقام التوحيد الذي يحتاج لمُجاهدة النفس البشرية وأهوائها التي تتناقض في مُتطلباتها، فها نَحن نبتعد عن التّوحيد وهو أصل التّوكُّل ونبتعد أكثر عن الفيض الإلهي وقمته التي فيها الرحمة من العلي القدير، ونظلم أنفسنا بالابتعاد عن عرى الإيمان الحب في الله والبُغض في الله، ونستجيب إلى كل ما تشتهيه أنفسنا من غرائز لا تشبع وتَطلب المزيد ونَسعى بتلبية ما تُوسوس به أنفسنا الأمّارة بالسُّوء والشيطان تحت الطلب ورهن الإشارة يجري مجرى الدم في الإنسان يزين الباطل ويدعو بخُبثٍ وخِسّةٍ إلى تجاوُز حدود الله، ويستحسن ذلك بغيه داخل أوكاره المظلمة ليضل العباد، والمؤمنون أهل التوحيد يصدون الشيطان الرجيم ويدفعونه بعيداً عنهم بالصلاة والذكر والتّحصين والاستغفار، فتنزل عليهم شآبيب الرحمة وأنوار الهدى من المولى عز وجل، وتَتَحَرّك نُفُوسهم بالسَّعادة لتعلمهم لا سَعادة لا حُزن دائمٌ، هي أرواحٌ مُعلّقةٌ بالرحمن الرحيم طَالبةً المزيد من الحُب والوجد واعتصام بقُوة بالكتاب والسنة، جعلنا الله جميعاً من هؤلاء، نعم الإسلام هو الذي يجعل الناس أقدر على فَهم الآخرين في المُجتمع الذي يََعيشون فيه ويَخلق التّكامُل والتّضامُن والتّكافُل الذي تزدهر به المُجتمعات الإنسانية، ويُحارب الإسلام بصُورةٍ هادئةٍ التّفاوُت بين حاجات كل أطراف المُجتمع والخيرات المُتوفّرة، فالنّاس يَتدافعون بَعضهم ببعضٍ ويَتنازعون في خيراتٍ مُفرطةٍ في القِلة، لِـذَا تجد الإسلام قَد رَكّزَ في هذا الجانب بوضع أسسٍ تُقلِّل الصراعات وتُحقِّق العَدالة الإلهية بدقّةٍ، صورتها الواضحة في الزكاة والميراث وحق الفقير والمسكين وعمل الخيرات وكثير مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة في هذا الاتّجاه.
انظر الآية (265) البقرة (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) صدق الله العظيم، نتساءل دائماً ونُكرِّر متى تستفيق أمّة الإسلام لتُلبي نداء المولى عز وجل بصدقٍ وتوجُّه؟ ومتى تستعيد أمتنا مجدها وعزّتها وكرامتها الضائعة ونرى ونتابع بألم الدول العربية وجامعتها يدعون زُوراً نصرة فلسطين وقضيتها الإسلامية البحتة قزموها فصارت قضية عربية، ثم تبرأوا منها فصارت قضية بين الفلسطينيين وإسرائيل، ثم أفرطوا وتمادوا في الابتعاد عنها لتصبح قضية فلسطينية – فلسطينية والعرب سَائرون نحو مُصالحة إسرائيل وهكذا يفعلون.
لقد طَالَ حُزننا على أمّتنا الإسلامية ونخص بلادنا ونُحدِّد فترة الإنقاذ، الذين جاءوا بشعارات الإسلام وتَبيِّن بِمَا لا يَدع ذرة للشك أنّهم مُنافقون، بل عصابات للنهب المُنظّم المُسلّح الإرهابي لا علاقة لهم بالإسلام بالإطلاق، قتلة فَجَرَة مُجرمون، وقد أنقذنا شباب الوطن منهم بثورته المُباركة المُعجزة، قدموا فيها الدماء والعناء والجهاد والمُواصلة حتى شعر بهم العالم بأثره ونقل صوتاً وصورة الثورة في أرجاء المعمورة، وتحية خاصّة لقناة “الجزيرة”، فانزعج الطاغية وزُمرته وزمجروا وهدّدوا ولم يُحرِّكوا في الشباب ساكناً، فهرب بعض زبانيته واللصوص، وأمرٌ بالقتل المحدود ولم يتوقّف الزحف، وفقد الطاغية وزُمرته الفاسدة عقولهم لخوفهم من فقدان ملكهم الذي امتدّ لثلاثة عُقُود فأمروا بالقتل غير المحدود لآلاف المُتظاهرين وهو أمرٌ غير معقولٍ، فلم يجد استجابة وأخذوه بهدوءٍ وهو في حالة لا تُوصف واعتقلوه وهو في ذُهولٍ لفقد عرش الفساد والتّدمير، حكم البلاد بعصابة يُسمُّون (الكيزان)، صنعوا برلماناً ومجلس وزراء، وسلطة رابعة الإعلام، وسلطة قضائية، ومحكمة دستورية كلها مُدجّنة ومنبطحة لا صوت لها، ديكورات يطوفون حول العصابة، وكان لهم الطاغية بمثابة الحجر الأسعد، يُقبِّلونه ويُقدِّسونه ويطأطون له رؤوسهم الخاوية، صورة ذكرها القرآن (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)) صدق الله العظيم.
إنّنا لا نزال في ثورة ولن تتوقّف ولا نزال مُهدّدين بأزمات جديدة مُختلقة والنظام القديم الفاسد لم يتم القضاء عليه، وبلادنا في حاجةٍ إلى إيجاد تَشكيلة جديدة قوية وحيّة بِرُوح شباب الثورة، إنّ الأفكار لا يُمكن أن تَكُون مُتطابقة ضِمن إطَـار المَسرح السِّياسي، والوطنية يُمكن أن تكون عامل توحيد وشراكة وهي مفتاح باب تقدُّم الأمة، وتربط بين كل أجزاء الوطن، ويعزِّز المسيرة القاصدة للسلام والأمن والعدالة والتنمية، والتّغيير الذي تنشده الثورة يحتاج لقوةٍ في القَرارات ويسبق كل هذا القصاص والضرب بيدٍ من حديدٍ للنظام البائد ومُحاكمتهم كما ذكرنا في عدة مقالات بنظام (المحاكم الثورية) وقد أوضحنا طريقة تشكيلها، فالنظام العدلي فِي بِلادنا قَد تمّ تَخريبه وتَدميره، والمَوجودون الآن في قيادته عفا عليهم الزمن، ثلاثون عاماً وهم لا يُحرِّكون ساكناً وهم نائمون تائهون لا يشعرون، قتل النظام فيهم روح الشجاعة المطلوبة في العدل للتصدي، وخارت قواهم واستسلموا باستلام الأراضي من الدرجة الأولى والمُخَصّصَات والقُرُوض من البنوك بتوصية السُّلطة التنفيذية والسّيّارة بالأقساط بتوصيةٍ أيضاً، خارت عزائمهم من التّسهيلات التي قُدِّمت لهم ليعيشوا في وضعٍ مُميّزٍ، وأصبح أغلبهم طبقةً من طبقات المُؤتمر الوَطني ومُؤيِّديه، وبعضهم اليوم يحاول أن يلتحق بالثورة الشبابية بدون حياءٍ أو خجلٍ، فقد ماتت أرواحهم ومشت عليها أحذية الإنقاذ وسحقتها، إنهم أموات أحياء، وبذلك خلال الثلاثين عاماً وقبل ثلثها الأخير، سلّموا رايات العدالة للطاغية وزُمرته وحديث غير ذلك لا صحة له، يُوجد بعض الذين تنمّروا على النظام البائد، وقد كَانت الرُّدود عليهم قاصية، ونعلم عَدَدَاً منهم يُعدون على أصابع اليد الواحدة تم تكديرهم وتكسيرهم وإبعادهم.. إن 30 يونيو 1989م سيسطِّره التاريخ على أنّه يوم نكبة السودان بانقلاب الجبهة الإسلامية (الإنقاذ)، وديدن الإنقاذ خلق الرعب والخوف وسياسة فرق تسد، مائة حزب، وخمسون صحيفة وآلاف الوزراء والولاة والمُحافظين وكلهم أعجاز نخل خاوية مسلوبو الإرادة، وعسكرة الفكر حتى أعتقد الكثير من الناس أن رتبة عميد ولواء وفريق تعني التأهُّل لوظيفة وزير، وفي أقل تقدير محافظ، وعسكرة الفكر أمرٌ خَطيرٌ يحتاج لوقتٍ طويلٍ للتخلُّص منه، ونحمد الله أنّ الإسلام ما زال موجوداً في حياتنا وهو أكبر الأسس الثابتة للضمير الإنساني والهدى والنور المُبين.
لقد هدم الكيزان كل معاني الإسلام وأهدافه السامية بأفعالهم الشنيعة وتأسيسهم لقواعد الظلم بعيداً عن أُسس العدالة، نعم هُم أعداء الإسلام غافلون ومتغافلون ومتجاهلون، نفّذوا خطط المستعمرين، وسلكوا طريق التبعية فكرياً ومصلحياً بالقوة الصهيونية، وباعوا بلادنا للقوة الإقليمية من الطواغيت، وارتكبوا المَجَازر الوحشية في كُردفان ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وفصلوا جنوب بلادنا بتوجيهاتٍ صهيونية واستلموا الثمن، والمقال لا يسع أعمالهم المُتجاوزة للوطنية ومخافة الله رب العالمين وخروجهم الواضح المعالم عن شرع الله وحدوده، إنّ الطاغية وزُمرته المفسدة لا أمل في إصلاحهم ونتعجّب كيف يُحاكم القاتل بجرائم أقل، “الاختلاس النهب و و و….” هذه مُحاكمات انصرافية للابتعاد عن الجريمة الأساسية وهي القتل، قتلوا الأنفس من غير ذنب، ونهبوا وأجرموا!! ونناشد الثورة وقادتها بتنفيذ القصاص عليهم في ميادين عامة واحداً تلو الآخر في عددٍ من المُدن السودانية، وهم ليسوا في حوجة لتحقيق ومُحاكمات ومُداولات كما نرى من مُحاولات بائسة مكشوفة، فالطفل الصغير في بلادنا يَعلم ما كانوا يفعلون، أما الأذناب والأتباع الفاسدون فليتم إدخالهم للسجون التهذيبية التربوية لمددٍ طويلةٍ، فقد ابتعدوا عن الحق والفطرة الإنسانية التي أودعها الخالق في كل خلقه، وعلى شباب الثورة وقادتهم عدم اللين والتّسامُح مع الكيزان، فلا مُشاركة لهم في أيِّ مجالات سياسية وحتى اجتماعية ويتم إبعادهم من كل مؤسسات الدولة التي ما زالوا متواجدين فيها مهما ذرفوا من دُمُوع التماسيح، ومُحاولات الالتفاف، فهم خونة مفسدون ولصوص، يرفعون شعارات إسلامية كذباً وبُهتاناً، ونُطالب حكومة الثورة بقفل كل مكاتب الأمن نهائياً الذي أسّسه الطاغية وزُمرته وفصّلوه على مقاسهم وإجرامهم، وإحالة مسؤولية الأمن للشرطة التي في تعامُلها أقرب للمدنيين، ولسنا في حاجة لمخابرات بالصورة التي كانت تعمل بها الى أن وصلت بالجلوس مع العدو الإسرائيلي ولقاءات مريبة في أوروبا وتبعية مؤلمة للطواغيت، ووصلت بلادنا أعدادٌ كبيرة من الجواسيس الدوليين في تناغُمٍ مع ما يُسمّى مُخابرات دولية، ونتوقّف فليس هنا المجال للتوسُّع في هذا الموضوع الحساس التخصصي، ولنا رأي سنوضِّحه في الوقت المُناسب ولأصحاب القرار متى قويت أعوادهم.
وأختم بأننا منذ ثلاثين عاماً مدة الإنقاذ كنا حزينين مُشفقين لهذا الوطن وشعبه، لأنّ الفئران لا تقود الأسود، وشعبنا يقوده اليوم خِيرة أبنائه، في مقدِّمتهم رئيس الوزراء الذي تتبعنا لقاءه التلفزيوني، وكان واضحاً وصبُوحاً وصريحاً مع الرجل الإعلامي الثابت المُتميِّز فيصل محمد صالح، الذي كان منذ اندلاع الثورة لم يقف للحظة في المنطقة الرمادية التي كان يقف فيها جل الإعلاميين والكُتّاب (مسك العصا من النصف).
يا قادة الوطن انتبهوا لمجال الإعلام فهو خطيرٌ وفيه مُندسون الآن، وتنبّهوا أغلب الصحف، أصحابها، ورؤساء التحرير فيها صنعتهم الإنقاذ، ولهم ملفات بجهاز الأمن، وبعضهم موظف في الأجهزة الأمنية سيئة السُّمعة.. لقد ارتاحت قُلوبنا واطمأنينا لمستقبل بلادنا في أيدي هؤلاء الشباب الثائر المُتجرِّد، وعليهم الحذر، حفظ الله أمة الإسلام وبلادنا من كل مكروه والحمد لله رب العالمين.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.