د. تيسير عبد الرحيم

الصالح العام وسياسة التمكين!

شارك الخبر


ماذا تعني كلمة الصالح العام والإقالات والكشوفات التي تصدر من حينٍ لآخر ومنذ سُقُوط النظام السابق (سياسة تمكين) هل هي سياسة التمكين؟ التي سار عليها النظام البائد وعهد الإنقاذ، تمكين أتباعهم ومن هُم يتبعون إلى حزب المؤتمر الوطني؟
في العهد البائد، أقالت حكومة الإنقاذ كثيرين بدون خللٍ إداري أو فسادٍ وظيفي قبل الوصول لسن المعاش وهو السن القانوني الذي به يتم إيقاف المُوظّف بعد إكماله أو تخطيه سن الستين عاماً، والذي يشعر بعدها المُوظّف أن مدة صلاحيته انتهت، كما أنّ هذا القرار ينبِّهه لبلوغه سن اليأس وأرذل العُمر.. كم هو قرارٌ كريه!!
وأحياناً نجد في مُسمّى الصالح العام، تم إيقاف الموظف وظُهُور اسمه في كشف الصالح العام.. كم هذه الكلمة مُنمِّقة وجميلة لكنها دَميمة المُحتوى لأنّها تخفي خلفها مآرب أُخرى.. دُون مُراعاة إذا كان هذا الكادر السوداني مُؤهّلاً أو غير مُؤهّلِ دُون مُراعاةٍ إذا كان سيحصل على وظيفةٍ أُخرى أم لا مهما كانت حُقُوق نهاية الخدمة التي سيحصل عليها ويُواسي نفسه أحياناً بأنه سيقوم بمشروع في هذه الحقوق، وهناك من لا يصلح لأن يكون تاجراً وخُلق لأن يكون قائدا.. عند ظهور اسم أحدهم على هذا الكشف خصوصاً النزيهين والذين لا يُجيدون التجارة أو شيئاً آخر غير وظيفتهم نجد الحُزن والأسى والاكتئاب علا وجههم وكلمة الحمد لله هنيئاً لمن حمد، وهنيئاً لمن ظلموه في هذا الكشف، لأنّ الظلم ظُلُماتٌ يا مُتّخذ القرار وتذكر ذلك!
فهناك قانونٌ إذا كان هذا المُوظّف الحكومي وزيراً أو قاضياً أو ضابطاً أو إدارياً بدرجاتهم كافة أخطأ، يوجد قانون يُطَبّق عليه ويُحاسب من أخطأ.
التطهير واجبٌ وطنيٌّ، شعارٌ يُردّد منذ سُقُوط نظام الجنرال عبود وأتت بعده السياسات بهذا المسمى الصالح العام، وكان وقتها التطهير مطلب الشعب، ولو سألنا الشعب الآن الذي خرج وثار على عَبود ونميري وأسقطوا نظامهم وحُدُوث الانقلابات العسكرية وقتها، لتمنوا عودتهم من جديد! والآن ذات المُشكلة تتكرّر وهي تطفو على السطح وبوضوحٍ لمن يرى سياسة التمكين التي سَارَ عليها عَهد الإنقاذ لأكثر من ثلاثين عاماً، وأعتقد أنّ أيِّ كَادرٍ تَمّت إقالته وهُو نَزيهٌ وغير فَاسدٍ هو مَفقودٌ لا فاقد، فهيكلة الدولة منذ سُقُوط النظام والغربلة التي تمر بها البلاد، شملت حتى أكثرهم نزاهةً وخبرةً وعلماً، لم تشمل الفاسدين فقط، بل جَرَفت معها حتى الصالحين وتوالت وتتوالى الكشوفات التي دخلها قياديون وإداريون ومُوظّفون ووطنيون، لأنّهم عاشروا السودان في عهد الإنقاذ، واختلطوا معنا بذات الخلط الذي فَرَمَ الجميع بلا رحمةٍ!
لم يُفكِّروا في الاغتراب الذي كانت فُرصةً كبيرةً لهم، اختاروا الوظيفة الحكومية داخل البلاد ليس لشيءٍ، إلا لحُبهم لهذا الوطن، وكان جزاؤهم أن تُدرج أسماؤهم في كشف الصالح العام!! إقالة مُوظّف تحت هذا الكشف تعني أنه أخطأ في حق الصالح العام وللمُصلحة العامة تمّت إقالته!
إذا كَانَ فعلاً هُناك فَسادٌ إداريٌّ أو خَللٌ وَظيفيٌّ أو هذا المُوظّف له ثروة غير مشروعة من المال العام، يُجرى التحقيق معه وإحالة أوراقه إلى نيابة الفَسَاد أو نيابة الثّراء الحَرام للتّحقيق في هذه الثروة التي أَتَت بطريقٍ غَير مَشروعٍ أو عَن طَريق المَحسوبية وأَضرّت بالمُصلحة العَامّة للبلاد وتُصادر الأموال وتتم إعادتها إلى خزينة الدولة مرةً أخرى وحدث هذا في عهد الإنقاذ،  إحالة أحد الولاة في العهد السّابق وإحالة أوراقه إلى نيابة الثراء الحرام، ما لم يحصل ذلك لا يَجُوز إيقاف أو إحالة مُوظّف تحت مُسمّى الصالح العام هذا المُسمّى خَطير النوايا، بعيد المَدَى ولا أقبل بكوني مُواطنة سُودانية هذا المُسمّى وهذا الكشف لتمكين نظام دُون الآخر، أو حزبٍ دُون الآخر، فالمهم هو مصلحة البلاد والوطنية والهوية السودانية، وهذا الإجراء والإيقاف تتم عَادةً عن طريق رئيس الوزراء ويُكلّف لجنة بالتحقيق مع هذا المُوظّف الحكومي المُخطئ أيّاً كانت درجته!
نُعايش هذه الأيام ذات الأزمة وذات الإقالات ولكن بلا تحقيقٍ وبلا وجه حقٍ، بعض الكشوفات الماضية شملت وطنيين أفنوا عُمرهم في تُراب هذا الوطن ولم يجنوا ثروة من النظام السابق، خطأهم أنهم عملوا في عهده وأصبح كل من عمل في عهد الإنقاذ مرفوضاً، بحجة أنه ينتمي للنظام السابق ويُردّد له كلمة كوز تطاولاً وتجريحات في الفترة الماضية بلا أسبابٍ ولا وجه حق والناجح يُنعت بالكوز!
الدول الناجحة تختلف سياسياً، ولكن تستمر في عملها وإداراتها ما لم يحصل خللٌ وظيفيٌّ، من المُمكن لنا كسودانيين بسبب كثرة الأحزاب والقبائل أن نختلف سياسياً وقبلياً ودينياً، ولكن نتفق على مصلحة الوطن.. أصبح هناك تطاولٌ بين المُوظّفين حتى الصغار منهم، على الإداريين والفرح بإدراج أسماء مديريهم في كشف الصالح العام وكل فئة تدعي الوطنية وتتّهم الأخرى بغير ذلك!
حزب المؤتمر الوطني حكم البلاد لفترة باسم ثورة الإنقاذ، وليس كل من انتمى لهذا الحزب فاسدٌ أو صاحب ثروة غير مشروعة.. يجب أن يُؤخذ عبرة لأنّنا في الثورة نادينا بالتغيير لا اجترار واستصحاب مرارات الماضي إلى الحاضر والمُستقبل، ولا أجد في السياسة الجديدة تغييراً، بل هناك تقليد وتمكين مستمر وذات الفقر والعوز والجهل مُستمرٌ وضاربٌ بالبلاد منذ سُقُوط النظام، ولا تغيير سوى إقالات وكشوفات صالح عام وهيكلة زادت البلاد فقراً وانهياراً!
من النجاح تطوير وتأهيل القديم إن وُجد، وأخذ الصالح منهم وترك الطالح لا خلق فراغٍ في هيكل الدولة، ولا أرى جَديداً مُبشِّراً ومن الواضح أننا سنمر بأزمةٍ أكبر من عهد الإنقاذ، لأنّ سياسة التمكين لا سياسة الوطنية هي المنهجية، ولا باختيار الأصلح والأجدر للمنصب، فليس كل سياسي قيادي، ولا كل إداري قيادي، ولا كل قيادي تكنوقراط، ولا كل تكنوقراط إداري! والواضح أن الحيرة تضرب رؤوس الجميع ولن أُسمِّي لأنّ القصد واضحٌ لمُتّخذي القرار.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.