كتبت: سوسن محجوب
شَكّلَ التكافل الاجتماعي بمختلف مسمياته، ملمحاً مُهمّاً في تاريخ المجتمعات السودانية، وظَـلّ إلى يومنا هذا واحداً من أكبر عناصر الترابط في حياة السُّودانيين، فهو النفير الذي ينتظم الحياة وقت الحصاد وبناء المنازل، وفي السّراء والضرّاء.
الآن وفي ظل الحَـرب، تَصَاعَدَت أهمية هذا التكافل، وتعدّدت أشكاله، وبرزت قيمه (التّكيّة) التي حفظت أرواح الآلاف من الأسر وآمنتهم من الجوع.
ويشتكي القائمون على هذه التّكَايَـا ــ خاصّةً في الخرطوم، من أنّ قطع شبكة الإنترنت والاتصالات هَدّدَ عملهم، إذ أنّهم يعتمدون على المُساعدات التي تأتي عبر تطبيقات بنكك من المُتبرِّعين دَاخل وخَارج السُّودان.
عِـلاج ثنائيّة الفَقـر والحَـرب
يقول الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي لـ(السوداني)، إنّ التكايا شكّلت مفهوماً اقتصادياً لإدارة موارد العون والتكافل الاجتماعي، وكانت سبّاقة للمؤسسات والبنوك التي ظهرت لاحقاً، وتبنت ذات نهج التكية وبدأت في تقديم الطعام إلى الفئات الأكثر حاجةً.
ويمضي: الآن وبعد اندلاع الحرب، برزت الأهمية القصوى، وأوضحت معلماً مهماً في يوميات الحرب، واشتعلت نيران التكايا تفيض بالخير على العائلات الأكثر فقراً وتُقدِّم لها وجبات الطعام اليومية، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السُّودانيون.
سَـلّة غذاء العَالَم
وتتنامى المخاوف يومياً لدى المنظمات الدولية العاملة في مجال الغوث ومنظمات الأمم المتحدة من اقتراب نذر مجاعة باتت تهدد نحو 25 مليون ــ نصف تعداد سكان السودان.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورن، استضافة باريس مؤتمراً إنسانياً للسودان ودول الجوار بحلول 15 أبريل المقبل، ونوه أن هدف المؤتمر جمع الأموال لتدارك الوضع المزري والمساعدة في حل الأزمة المأساوية التي حاقت بملايين الأشخاص في السودان والمنطقة.
وبالمقابل، أطلقت الأمم المتحدة نداءً عاجلاً لجمع 4 مليارات دولار، وحثّت المانحين على التّبرُّع بسخاءٍ.
تَكَـايا الخَـير
شكّلت تجربة منظمة حاضرين، منحىً مُهمّاً في مجال العمل الطوعي، فهي ليس أحد تجليات الحرب، بل ظلت تقدم خدماتها في مجالات عدة، ومن بينها الإطعام منذ سنوات.
ويقول الأمين العام لمنظمة حاضرين، كمال المعز لـ(السوداني)، إنّهم يعملون وفق نظام المطابخ المركزية التي تخدم الأُسر الباقية ومراكز إيواء النازحين الداخليين بمختلف أحياء مدن الخرطوم، بحري وأم درمان، ويضيف أنّ حاضرين شراكة متجددة في الخير وبلا تنافس، بل تكافل وتعاون مع العاملين في مجال تقديم الغوث الغذائي من أجل مساعدة جميع المحتاجين في ظل تفاقم أزمة وتداعيات الحرب.
مُسـتوياتٌ طٌـارئةٌ من الجُـوع
وفي وقت سابقٍ، أعلن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ــ ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث، عن تخصيص 15 مليون دولار أمريكي لمعالجة الأزمة الغذائية المتفاقمة في السودان.
ونبّه أنّ نحو 5 ملايين شخص في السودان يعانون من مستويات طارئة من الجوع، ومع استمرار الصراع، سوف تتدهور الأمور.
تضخُّم وغلاء ونقص الإمدادات الأساسية
ويمضي الخبير الاقتصادي فتحي، أن هدف التّكية هو التعاضد والتكافل الاجتماعي، خاصةً في ظل الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشها السكان العالقون بالعاصمة، وفي الظروف الحالية الآنية، ويلفت إلى أنّ السودان أمام تحدٍ جديد وهو تحدٍ اقتصادي بحت، (إنّنا نُعَاني من موجات التضخُّم، وغلاء في الأسعار، ونقص في الإمدادات الأساسية، وهذا يتطلّب أن تسود بيننا روح التراحُـم والتكافُـل)، هذه هي الروح التي يجب أن تسود بين الناس سواء من منطلق ديني أو من منطلق وطني أو إنساني.
مُوسِـم شِـدّة الجُـوع
صورة قاتمة رسمها تقرير لمعهد “كلينجينديل الهولندي”، حيث قال إنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً، هو أن سبعة ملايين شخص في السودان ستواجه مستويات كارثية من الجوع بحلول يونيو 2024، مع احتمال حدوث مجاعة جماعية، وأضاف أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لاحتواء المجاعة الجماعية في السودان، وحذّر من أنّ السودان يشهد أسوأ مستوى جوع تم تسجيله على الإطلاق خلال موسم الحصاد (من أكتوبر إلى فبراير)، وبالتالي فإنّ شدة الجوع وحجمه في موسم الجفاف القادم منتصف عام 2024 سيكون كارثياً، داعياً إلى إعلان خطر المجاعة على السودان.
وبحسب التقرير الذي أعدته وحدة أبحاث الصراع بمعهد كلينجينديل واطلعت عليه (السوداني)، فإنّ أزمة الغذاء ليست النتيجة الحتمية للحرب، إنما نتيجة للتدمير المتعمد الذي قام به الجنرالات للنظام الغذائي في السودان وعرقلة آليات التكيف لدى الناس.
سوا بنقدر
ويواصل أمين عام حاضرين، المعز أن هذه المطابخ تقدم خدماتها لأكثر من (3 آلاف) أسرة في ولاية الخرطوم قبل قطع شبكات الاتصالات والإنترنت، وبعد توقُّف شبكة الاتصالات انتقلنا إلى دعم مراكز إيواء ببورتسودان ودنقلا، حيث تقدم خدماتها لما يقارب الألفي نازح، وجارٍ التنسيق لدعم مراكز في مدينة عطبرة أيضاً بإذن الله تعالى.
وحول مصادر تمويل مبادرة حاضرين لدعم المطابخ المركزية، أوضح أن الدعم يأتي من أفراد ومنظمات داخل وخارج السودان مثل منظمة صدقات، والجمعية الطبية السودانية الأمريكية،
واتحاد الجالية السودانية في النمسا ونقابة الأطباء ببريطانيا.
ضَـخ الأمـوَال
(كلينجينديل) اقترح زيادة المساعدات بشكل عاجل وواسع النطاق من خلال ضخ الأموال النقدية عبر الهاتف المحمول مُباشرةً إلى المنتجين المحليين، وكذلك إلى المستهلكين ومُقدِّمي المساعدات المحليين (غرف الاستجابة للطوارئ) والتوسيع الفوري للمساعدات الغذائية ودعم المياه والصرف الصحي، كما أنه
دعا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، لزيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي لوقف الحرب.
تكية “فكة ريق”
يقول الصحفي عثمان الجندي صاحب تكية” فكة ريق”، التي تغطي أحياء شمال أم درمان، إنّ المبادرة تأتي تفاعلاً مع الأوضاع المأساوية التي خلّفتها الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل الماضي، خصوصاً في العاصمة الخرطوم التي شهدت عمليات تهجير قسري للمواطنين من بيوتهم ومواقع أعمالهم ومؤسساتهم الخدمية بواسطة قوات الدعم السريع المتمردة، مما نتج عنه نزوحٌ كبيرٌ للمناطق الآمنة بالعاصمة والولايات، وعمليات لجوء لبعض دول العالم، ويضيف أن مناطق شمال أم درمان تحمّلت العبء الأكبر من تحركات الوافدين من المناطق التي تشهد المعارك القتالية، مما شكّل واقعاً مأساوياً يستدعي العون والمساعدة، لذلك جاءت فكرة مبادرة “فكة ريق”.
الأمن من جوع
وأضاف الجندي في حديث سابق له مع (السوداني)، أن أهداف التكية يتمثل في إعداد شاي الصباح، مع تقديم وجبة لقيمات (زلابية) للمُتعفِّفين من سكان المنطقة والوافدين إليها من المناطق المتأثرة بالحرب، لتكون وجبةً إضافيةً للوجبة الواحدة التي يتناولها الأغلبية، موضحاً أن المبادرة تهدف إلى تشجيع وتحفيز أهل المناطق الآمنة بنقل تجربة المبادرة لعون المُتعفِّفين، ونوه أنّ العدد المستهدف مبدئياً (75) أسرة، ومتوسط الأسرة تقديراً بعدد (5) أشخاص، والعدد النهائي المستهدف (150) أسرة، وتكلفة اليوم الواحد تُقدّر بمبلغ 21 ألف جنيه لشراء مستلزمات صناعة الشاي واللقيمات. وأضاف أنهم لاحقاً وسّعوا عمل التكية بحيث أصبحت تُقَدِّم ثلاث وجبات خلال أيام محددة في الأسبوع، بجانب شاي الصباح الذي يُقدّم يوميّاً.
تَكَـايا كسلا.. الطَعام والإيـواء
وعلى عكس أسلوب تكايا ولاية الخرطوم، فإنّ القائمين على التكايا في كسلا ــ شرق السودان، يقدمون حزمة متكاملة بجانب الطعام، وتقول الصّحفيّة والناشطة سمر سليمان ــ واحدة من أبرز المتطوعين في كسلا، تقول لـ(السوداني) بأنها ومنذ وصلت كسلا من الخرطوم، قرّرت التحرُّك مع مجموعة من الشباب لتقديم المساعدات العاجلة للنازحين الذين وصلوا من الخرطوم، وتضيف: “كان عددهم قليلاً وتمكنّا من إيجاد مراكز إيواء لهم وتوفير المساعدات الغذائية”.
المزيد من القادمين
وتواصل أنّه وبعد سقوط ولاية الجزيرة، استقبلت كسلا ــ ولا تزال أعداداً كبيرة جداً من الفارين واكتظت دُور الإيواء، وأصبح العدد كبير جداً، حيث تغطي المنظمات فقط 30%، وما تبقى نقوم بتغطيته عبر مبادرة شعبية والحكومة ليس لها أي دور، والعبء الأكبر على الدور الشعبي وأبناء كسلا في الداخل والخارج والتجار ورجال الأعمال، حيث نتلقى مساعدات عينية ومواد غذائية، ونحن نقدم خدمات متكاملة كالإيواء، والعلاج وتكية لتقديم الوجبات، تأثرنا بقرار الوالي بحل اللجان، وانتقلنا إلى لجان أخرى.