“هذا بيت الجاك”.. الرسالة (9)

تقديم: بروفيسور/ أحمد حسن الجاك

نبدأ من هذه الرسالة وما يتبعها من رسائل في تناول مكونات عملية التخطيط الاستراتيجي بشئٍ من التفصيل. غايتنا من وراء هذا الأمر أن نمكن أكبر قدر من المهتمين بقضايا الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة من السير معنا في نفس الطريق بإدراك تام وقناعة تامّة. بمثل هذا الإدراك والقناعة يسهل علينا جميعاً باحثين واستشاريين وتنفيذيين أن نصل لمبتغانا المتمثل في تحقيق السلام والاستقرار السياسي ومن ثم تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة عبر تخطيط علمي منطقي وعملي رشيد.

 

إنّ “عملية التخطيط” وكل ما تنتجه من خطط ومشروعات وبرامج واستراتيجيات متفاوتة في أهداف يراد تحقيقها وفي المدى الزمني للإنجاز.

عليه، فإنّ “عملية التخطيط” تهدف لاتباع أسلوب/مسار منطقي تدرجي يقود لتحقيق الأهداف المخطط لها بنهاية الفترة المحددة. نفهم من هذه النقطة أن المسار الذي نتحدث عنه هنا ما هو إلا الطريق الذي يقود ويهدي لاتخاذ القرارات السليمة والعملية/decision path. تنبع أهمية تحديد ومتابعة هذا المسار أنه يمكننا من الوقوف في محطات محددة سلفاً للتحقيق والتحقق من الالتزام بمسيرة “عملية التخطيط”.

 

أمر آخر يجب أن نستجليه هنا حتى نكون شركاء في تناولنا للمصطلحات. أقول إنّ “عملية التخطيط” تنتج عدة كائنات (أشرنا لها سلفاً)، وإنّ هذه الكائنات تشترك وتختلف في شيئين لا ثالث لهما: الأهداف والمدى الزمني. أردت من هذا القول لأضع حَـدّاً لكل المزايدات التي يطلقها السياسيون عن “التخطيط الاستراتيجي”. إنّ الاختلاف بين التخطيط للمشروعات أو البرامج الزمنية أو الخطط الخمسية أو العشرية والاستراتيجية هو ذات التخطيط. التخطيط الاستراتيجي يتميّز عن رفيقتها الآخر أنّه يتناول أهدافاً أوسع وأكثر شمولاً ومدىً زمنياً أطول من رفيقاته (اتفق على مستوى علمي وعملي أنّ عُمر الاستراتيجية عشر سنوات).

هذه المصطلحات التي استعملها في كتاباتي ولكل امرئ ما نوى.

 

2

بعد أن خلصنا من صياغة الإطار الفكري وتفسير مصطلحاته الأساسية نذهب في هذه الرسالة (9) لتوفير معلومات أكثر لأهم محطات عملية التخطيط الاستراتيجي: محطة تكوين كيان يضم “أصحاب المصلحة” في نجاح ثورة ديسمبر المجيدة (2018). في البلدان المستقرة سياسياً، يوجد مثل هذا الكيان في شكل جهاز تشريعي يضم شخصيات منتخبة انتخاباً مباشراً أو غير مباشرٍ من قواعد شعبية وأحياناً تضم عدداً قليلاً لشخصيات يتم تعيينها لأسباب خاصة بالبلد المعني. هؤلاء الأشخاص في مثل تلك الأجهزة هم وحدهم أصحاب “الحل والربط” لكل مناحي حياة البلد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بصياغة كل التشريعات المتمثلة في القوانين واللوائح والتأكُّد من التزام الأجهزة التنفيذية بها.

وبما أنّ التخطيط الاستراتيجي هو إحدى الآليات التي تنظم توجه البلد اقتصادياً واجتماعياً، فإنّـه يصبح على هذا الكيان صياغة وإجازة مشروع قانون لاستراتيجية اقتصادية واجتماعية قومية شاملة لفترة لا تقل عن عشر سنوات. بهذا يصبح أعضاء هذا الجهاز التشريعي/أصحاب المصلحة الحقيقية في إنجاح ثورة ديسمبر بحسبان أنهم أصحاب مشروع الاستراتيجية ملتزمين بمراقبته وحُسن تنفيذه وإعادة صياغته حين يستدعي الحال أثناء أو بعد انتهاء المدى الزمني للاستراتيجية.

 

بما أن البلد الآن ليس بها كيان جامع يمثل أصحاب المصلحة الحقيقية في إنجاح ثورة ديسمبر المجيدة، فقد اقترحوا في الرسالة (8) أن يقوم المتخصصون في مجال علم الإحصاء بمسوحات “إبداء الرأي”/الاجتماعية وتحديد العدد المناسب لتكوين هذا الجهاز التشريعي.

 

3

إنّ أهمية هذه الخطوة/المحطة تنبع من أمرين أساسيين:

أولاً: تحديد عدد معين من الأشخاص يمثلون كيانات المجتمع المختلفة يكونوا تبعاً لهذا “الجهاز التشريعي” للمرحلة الانتقالية. ذلك الجهاز – كما ذكرنا سلفاً – المسؤول عن صياغة ومتابعة ومراقبة تنفيذ كل التشريعات والقوانين واللوائح التي تصدر منه (حريٌّ بنا أن نؤكد هنا أن الخطط بكل أنواعها بما في ذلك الموازنات والاستراتيجيات تصدر بقوانين ولوائح مقيدة وملزمة).

ثانياً: أن نكون قد اجتمعنا نحن أصحاب المصلحة في ثورة ديسمبر حول مجمل رؤاها وغاياتها وشعارها المتمثل في: “حرية/ سلام/عدالة” وراغبون في بناء بلدنا على أسس حكم ديمقراطي.

إذا نجحنا في تحقيق هذين الأمرين نكون قد نجحنا في إبرام “عقد اجتماعي”/Social Contract وثيقة تقوم مقام “دستور” يحكم ويتحكّم في كل أجهزة الدولة التنفيذية.

ما يلي هذه الرسالة (9) من رسائل هي في واقع الحال مسعى علمي وعملي لتنفيذ وثيقة “العقد الاجتماعي” إن شاء الله.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.