منتدى عز الدين بشير بالدوحة يناقش مستقبل الأغنية السودانية 

كتب: خالد البلولة 

ارتبط النشاط الثقافي منذ الاستقلال بالمبادرات الأهلية والمجتمعية وليس بأجهزة الدولة الرسمية، مما ساهم في ازدهاره وعظيم إنتاجه الثقافي، ويعد منتدى عز الدين بشير الثقافي بالدوحة، واحدة من تلك النوافذ الثقافية التي يطل من خلالها المهتمون بالفعل الثقافي بالدوحة، مواطنين أو مقيمين بها أو زائرين إليها. واعتبر الراحل عز الدين بشير (رحمة الله تغشاه) احد المهتمين بالوعي والاستنارة حيث توفي قبل سنوات بالولايات المتحدة، وجاء هذا المنتدى تخليداً لذكراه بمبادرة كريمة من شقيقه الإعلامي والكاتب الطيب بشير، الذي أكد أن هذا المنتدى شهد مسامرات ثقافية متعددة جمعت رواد الفكر والثقافة في دوحة الخير.

 

احتفى المنتدى، السبت، بزيارة الإعلامي والناقد الثقافي عبد اللطيف المجتبى لمدينة الدوحة وشرف المنتدى الاكاديمي والروائي د. حسن البكري والكاتب د. هاشم ميرغني استاذ اللغات والنقد بالجامعات السودانية والاستاذ الزائر بعدد من المعاهد والجامعات العربية والناقد محمد الربيع محمد صالح مدير تحرير مجلة الدوحة السابق والاستاذ أمير صديق محمود الإعلامي بقناة الجزيرة والاستاذة الاعلامية بالاكاديمية السودان لعلوم الاتصال والمستشار القانوني عبد الله الطاهر والذي شنف آذان الحضور بالغناء الجميل.

 

ابتدر النقاش د. خالد البلولة متحدثا عن تجربة الفنان عبد الكريم الكابلي في الشعر المغنى باللغة العربية الفصحى بعد اداء الفنان عبد الله لأغنية (ضنين الوعد)، وأشار إلى أن الكابلي يعد من الرواد الذين طرقوا هذا المجال ويكاد اسمه يقترن به كلما تطرقوا لهذا النوع من الشعر المغنى وتنوعت اختياراته بين مدارس شعرية مختلفة وحقب مختلفة مثل ابو فراس الحمداني (عصي الدمع) والواوا الدمشقي (امطرت لؤلؤا) وابراهيم العريض (لؤلؤة بضة) وآسيا وافريقا تاج السر الحسن وحبيبة عمري للحسين الحسن وشذا زهر لمحمود العقاد وغيرها من الشعراء.

 

واضاف الاستاذ عبد اللطيف المجتبى أن هذا النوع من الغناء الفصيح لا يقف عند الكابلي وانما يمتد الى فنانين آخرين سيد خليفة (يا صوتها) وعبد العزيز محمد داؤود في (انت معي واجراس المعبد) وعثمان حسين وزيدان ابراهيم وحسن خليفة العطبراوي ومحمد وردي فالمجال يتسع لعدد كبير منهم خاضوا ذات التجربة وتحدث عن أهمية التوثيق لتجربة الغناء الفصيح في السودان حتى لا تندثر.

 

وأكد د. هاشم ميرغني أنه لا يرى مبررا للقلق من اندثار الاغنية السودانية فتجربة الغنائية في السودان محفوظة عبر الأجيال المتعاقبة والوسائط الاعلامية المختلفة، الحديثة والتقليدية، هناك تجربة التوثيق التي قامت كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان والاذاعة السودانية (هنا أم درمان) وربيباتها من الاذاعات الولائية وتلفزيون السودان وقناة النيل الأزرق وقناة الشروق وتجربة الكاسيت، بالاضافة للوسائط الحديثة مثل اليوتيوب والتلغرام وغيرها.

 

أثار الاستاذ أمير صديق نقطة مهمة قائلا: “نواجه كيفية تسويق تجربتنا الغنائية لجمهور خارج اطارنا الجغرافي، نحن للأسف نركز على جهات بعينها ونجتهد ان نجد عندها موطئ قدم في مؤسساتها الاعلامية او عند جمهورها ولم نفلح في ذلك، فالمزاج مختلف والنظرة الينا مختلفة، بعكس ذلك هناك جمهرة من المهتمين في مجتمعات أخرى تتذوق وتتفاعل مع الاغنية السودانية وبسلمها الخماسي وتحظى عندهم باهتمام كبير دون ان نسعى لذلك، ففي غرب أفريقيا أو شرقها تجد الغناء السوداني في المحلات التجارية والاسواق الشعبية وايضا في إريتريا وكينيا واثيوبيا والصومال وغيرها.

 

أشار د. حسن البكري إلى أن الاغنية السودانية في نموذجها الام درماني الذي تشكل من اغنيات الحقيبة وتجربة غناء الخمسينات والستينات وامتداداتها للجيل الجديد بنهاية الثمانينات في تقدريري الشخصي قد وصلت إلى نهايتها وهناك نموذج غنائي جديد بدا يتخلق، سمه ما شئت اغنية زنك اغنية الراب، واعتقد محمود عبد العزيز وأقرانه من المطربين قد شفروا تلك التجربة. وبدأت الآن تظهر اغنيات الارياف والمجتمعات المحلية تجربة شادن رحمة الله عليها.

واتفق معه في ذلك الأستاذ محمد الربيع محمد صالح حيث أشار الى أن الاغنية المجازية التي تدثر بالغناء للوطن والحبيبة والحبيب الغائب قد بدأت في الافول، وهناك جيل جديد بدأ يعبر عن ذائقته الغنائية، ويشكل وجدانه بغناء مغاير الذي ساد لعقود طويلة. وهذا الغناء يحمل مضامين وقيما تعبر عن إيقاع المجتمع المتسارع الذي نعيشه الآن.

 

وأشار خالد البلولة لتجربة الشاعر سعد الدين ابراهيم وعبد الوهاب هلاوي ومحجوب شريف، قدموا تجارب شعرية تصب في ذات الفكرة التي عبر عنها البكري والربيع، مثل تجربة شعر الهايكو الذي يسميه سعد الدين شعر الثلاث ثواني وسجلت في تلفزيون السودان باسم المشاعل، واغنية حاجة آمنة التي تغنت بها فرقة عقد الجلاد حيث تعد من الشعر الذي يعبر بواقعية عن المشكلات التي تواجه المجتمع واحتياجاته المعاشية اليومية.

 

واستعرض عبد اللطيف المجتبى تجربة الغناء الجماعي وعدها من التجارب الرائدة في مسيرة الاغنية السودانية، و تجربة الثنائيات وتجربة الفرق الجماعية مثل عقد الجلاد وساورا ونمارق وسكة سفر ورأي لعثمان النو وغيرها ووضح دورها المميز في اثراء التجربة الغنائية السودانية ويعدها بمثابة عودة للغناء بشكله القديم. وتطرق المجتبى أيضا لمزاوجة شعراء الحقيبة بين المستويين اللغويين بين الفصحى والعامية بكل انسابية وجمال وعزاه لمصادرهم اللغوية، وأشار إلى أن مصادر تعليمهم هي الخلوة، حيث تعلم القرآن الكريم واللغة العربية ونلاحظ التعابير الفصيحة والقرآنية في أشعارهم مثل قول احدهم (الشجر اقلام جميع والنيل مداد لو كتب اشواقي ليك ما عددا).

 

كان النقاش مثرياً وعفوياً جاء بدون بروتوكولات، تأتي المداخلات بسلالة متناهية عقب كل اغنية يؤديها عبد الله الطاهر الذي اظهر براعة في الاداء في طبقات صوتية مختلفة كما وصفه أمير صديق وذائقة رفيعة في الاختيار، وينفي الطاهر عن نفسه صفة الفنان ويؤكد أنه متذوق يطرب مثله مثل الآخرين.

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.