محمود حسن سوار الدهب

استراتيجية التمويه والأحزاب والحوار

شارك الخبر

تنبيه.. (هذا جُزءٌ من مقال تمّ نشره قبل ثلاثة أعوام والإنقاذ في سُكرة الحكم والسُّلطة المُطلقة.. ما أشبه اليوم بالبارحة).
التمويه ليس نظرية سياسية، إنّما هي استراتيجية سياسية تَستعملها الدول غير الديمقراطية، وغَالبَاً تُوجد في كَثيرٍ من الأحيان لدى الأنظمة الاستبدادية وهي إخفاء الأهداف الحقيقيّة المُستهدفة للوصول إليها سياسياً وإعلان أهداف أُخرى مَزعومة بدوافع كاذبة تلقي لدى الشعب وتجد لديه رواجاً وقُبُولاً بشدة للاستفادة من تأييد الرأي العام استفادة كَبيرة، ولا يَكون قَطعاً يَعلمون بالتّمويه المَدسوس في المُخاطبة والطَرح الذي قُدِّم لهم، وهذه الحَالة كَثيرة في عَالم السِّياسة وشائعة، والتّمويه يتّخذ أشكالاً مُتعدِّدة وصُوراً مُختلفة في الإعداد والتجهيز والتقديم، فقد يخفي السِّياسيون هَدَفاً لا يَستطيعون البُوح به وفي بعض الحالات لا يَعترفون به ووراءه هَدَفٌ يُمكن الاعتراف والبُوح به، وهي حالات فيها كثيرٌ من الالتباس وعدم الوضوح الذي تفرضه استراتيجية التمويه، وعلى سبيل المثال يعلم السِّياسيون أنّ أمريكا حَليفٌ رَئيسيٌّ لإسرائيل، بل إسرائيل ولاية أمريكية صهيونية مَزروعة في الشرق الأوسط ولا يُمكن لدولةٍ عربيةٍ أن تخلق علاقات قوية مع إسرائيل ولكن كل الدول العربية تَلهث لإيجاد علاقاتٍ قويةٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا معنى بسيط لاستراتيجية التّمويه (تمويه مقرون بتجاوُز الحقيقة)، ومن أمثلة استراتيجية التّمويه السِّياسي أنّنا نجد كُلّ حزبٍ يُحاول أن يخفي ما هو خَاصٌ به وأهدافه الحَقيقيّة للسَّيطرة على الآخـرين من الأحزاب عن طَريق دَغدَغَة مشاعر الجماهير بالقيم الوطنية والاصطناع والوقوف بجانب الطبقة العاملة ونضالها والمُزارعين الكادحين وحماية الوطن وأراضيه وإيجاد فُـرَص للعَاطلين والتّنمية وما إلى ذلك لتجميع التأييد من الجَماهير، وإذا كانوا صادقين لا يكون تمويهاً، بل تَوجُّهاً استراتيجياً سَليماً وهي قواعد وأُصول السِّياسة، والقواعد والأُصول السِّياسيَّة هي المُرتكزات الأساسيّة في إنهاء النزاعات بالتّسويات التي تُوضع موضع التّنفيذ وهذا ما يتم في المُجتمعات الحديثة لإبعاد العُنف الذي يتولّد من النزاعات السِّياسيَّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وحل الخلافات بالنقاش والتفاوُض والحوارات البرلمانية والانتخابات والاستفتاءات واللجوء عند الضَرورة للمَحاكم الوطنية والدستورية منها لتقول كلمتها وتَصدر أحكامها المبنية على القانون والدستور، وكلها حالة تُعبِّر عن الحياة المدنية القومية التي يتقيّد بها المُجتمع والحكومة لتجنُّب ظُهُور النزاعات والعنف، وفي حالة وجود دولة المُؤسّسات القوية المُعبِّرة عن نفسها بدون قُيُودٍ مُستقلةٍ في البرلمان، القضاء، الإعلام وهو المطلوب ولا نقصد هنا المُؤسّسات الديكورية التي تتحرّك وتُوجّه من السُّلطة التنفيذية، بل نقصد المُستقلة وهي الركائز الأربع لأيّة دولة ديمقراطية يطلق عليها دولة المُؤسّسات، أما إذا تمّ النظر للسِّياسة بالتمويه السِّياسي، وذكرنا أنّ إخفاء الأهداف الحقيقيّة للتّجمُّع أو الحزب أو مَجموعة مُعيّنة فكريّة وإظهار قيم وشعارات غير التي تمّ إخفاؤها كقيمٍ وطنيةٍ مُشتركةٍ في المُجتمع وقد تكون دينية تُعبِّر عن أغلبية تَوجُّه المُجتمع أو بالأوضح ركوب المَوجة التي تُحقِّق أكثر تأييد للكسب السياسي، ونجد جماعات وأحزاباً ترفع شعارات لا تؤمن بها والغَرض استراتيجي وهذا ما يُسمى سِياسة التّمويه والصورة واضحة جداً، فجماعة (بوكو حرام) و(داعش) ترفع أعلام التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله وعليه خاتم رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم ويذبحون ويُدمِّرون ويَغتصبون النساء ويَخطفون بنات المدارس وهذا ليس له علاقة بالإسلام والدين الحَنيف البتّة.. إذن هذه أوضح صُورة للتّمويه السِّياسِي.
إنّ الأحزاب السِّياسيَّة السُّودانية مُطالبة بنظرة قومية شاملة لما يحدث ببلادنا من نزاعاتٍ وعمل تحليل علمي وتقدير موقف واستخلاص النتائج الواقعية للأزمة السُّودانية ومُخَطّطات الصهيونية العالمية التي أصبحت واضحة، إذ تعمل بكل قُـوتها لتفكيك الوطن، بل لانهيـاره، ويجب على جميع الأحزاب التّوقُّف عن الانفعالات غير المسؤولة ولتكن المَرجعية وُحدة السُّودان وسلامة أراضيه والعَودة الى الحوار الجاد الذي ينتج اتّفاقاً لخارطة طريقٍ تنفّذ ويجد الجميع مساحة يعمل فيها ويعرض ما يريد ما دام الهدف مصلحة بلادنا، وكما يُقال الوطن يسع الجميع.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.