جولة داخل (سوق الفلكلور) بالخرطوم… (العاج) الأغلى.. و(الأتراك) زَبائن مُعتمدون!

تقرير: كوكتيل

قَبل الحديث عن هذا الفن الجميل الراقي، الذي يحتوي على الكثير من التّمَيُّز والتّفرُّد في بعض زواياه، لا بُدّ أن نُورد خلفية تمهيدة ندخل من خلالها إلى بوابة (الفلكلور) الذي يُعد في الأساس مجموعة من الفنون القديمة والقصص والحكايات والأساطير المحصورة بين فئات سُكّانية مُعيّنة في أيِّ بلدٍ، ويتم نقل المعرفة المُتعلِّقة (بالفلكلور) من جيلٍ إلى آخر عن طريق الرواية الشفاهية غالباً، وقد يقوم كل جيلٍ بإضافة أشياء أو حذف أخرى لتتوافق في النهاية مع واقع حياته التي يعيشها، وهذا الإبداع ليس من صُنع فردٍ ولكنه نتاج الجماعة الإنسانية كَكُل في مُجتمعٍ ما، أمّا الحديث عن أصل التسمية فهو يرجع إلى اللغة الألمانية ومعناه بالعربية (علم الشعوب) وكلمة فلكلور يُقابلها بالعربية (تراث).!
(1)
ظَهَرَ هذا الفن لأوّل مرّة عند عالم الأثريات الإنجليزي (سيرجون وليام تومز)، حيث شَاعَ مُصطلح (فلكلور) بعد ذلك بمعنى (حكمة الشعب ومأثوراته) كمصطلحٍ يدل على مَوضوعات الإبداع الشعبي، ثُمّ تَطوّرت وتقدّمت مناهج علم (الفلكلور) واتسع مجالاً ليشمل مُختلف أوجه النشاط للإنسان في بيئته، وينقسم الفلكلور الى أربعة أقسام وهي التراث اليدوي من الملابس والزخارف، وهنالك التراث الشفهي كالقصص والأساطير والخرافات التي يؤمن بها بعض الناس، وهُنالك التُّراث الثّقافي وهو عِبَارَة عَن مجموعة من الأخلاق والقِيم، إضَافَةً للطقوس التي تتمثل في المهرجانات وطُقُوس الزواج التي تُعد أيضاً من أقسام الفلكلور وهنالك تقسيمات على حسب البلدان.
(2)
عبر جولة تنقيبية داخل أسواق (الفلكلور) بمدينة الخرطوم تعرّفنا على الكثير من أسرار هذا الفن المُتفرِّد، حيث تحدث إلينا عدد من أصحاب محلات الفلكلور والعاج والأبنوس والتحف والجلود بسوق ساحة كافتيريا (أتيني) – الذي يَتَرَبّع على عرش هذه المهنة منذ اأكثر من (35) عاماً – قائلين إنّ داخل محلاتهم تجتمع ثقافة أربع قوميات، إضَافَةً إلى ثقافة أهل الوسط، أي هي بمثابة (سُودان مُصغّر) يحتوي على جميع الفنون المُختلفة وبه أنواعٌ عديدةٌ من الفلكلور القديم الأثري النادر، وهنالك أنواع جديد أُدخلت عليها بعض التحسينات وبعض اللمسات الجديدة، وهنالك اختلافٌ كبيرٌ ما بين الأمس واليوم في هذا الفن المُتَجَدِّد.
(3)
بالمقابل، هنالك عددٌ من الأسواق لهذا الفن أكبرها سوق أم درمان، وبالخرطوم تُوجد أسواق سَاحة (أتيني) هذه، ومجموعة من المحلات بعمارة (صحاري) والكثير من المحلات المُتفرِّقة في عددٍ من الأماكن لا يُمكن أن نطلق عليها مُصطلح سُوق، وبصُورةٍ عامّةٍ فإنّ هذه الصِّناعة أو هذا الفَن يحتاج إلى أشخاصٍ لا يَتَعَامَلُون معه على أساس مهنةٍ أو تجارةٍ إنّما هو عِشقٌ وفنٌ جميلٌ، وإذا لم يكُن لديك إحساسٌ فنيٌّ ولم تتمتّع بحُب الجمال لا يُمكنك المُواصلة في هذا العمل، أما الجانب الربحي له فهو قليل مُقارنةً بواقع الصناعات الأخرى الربحية، فتدهور مجال السياحة هو من أخطر العوامل التي أدّت إلى تَراجُع المُعَدّلات الربحية لهذا العمل، وحالياً أصبح الاعتماد على العَمَالة الأجنبية من الصينيين والروس والبلغار وعدد قليل من الأتراك، كذلك وجود بعض طلاب جامعة (إفريقيا العالمية) ومُعظمهم وافدون من دولة ماليزيا وإندونيسيا، فهم أيضاً من الفئات الفاعلة شرائياً، إضافةً إلى القليل من المُغتربين الذين يُستفاد منهم استفادة موسمية، وهنالك شريحة أخرى وهي شريحة الوفود الزائرة للبلاد.
(4)
عن طريق بعض المُورِّدين المُعتمدين والفنانين بمُختلف الولايات، يتحصّل التُّجّار على هذه المنتوجات وحالياً ظَهَر بعض المُتعاونين من طُلاب كلية الفنون الجميلة الذين يَعملون على إدخال بعض اللّمسات الفنية الجديدة على التراث القديم، كما أنهم يصنعون الجديد ويضيفون الكثير لهذا الفن، وهنالك العديد من الفنانين التشكيليين الكبار بالسودان وخارجه لهم فَضلٌ كبيرٌ في تطوير الفلكلور، أما عن المُورِّدين السُّودانيين من مُختلف البِقاع الجُغرافية فهم تُجّار أغلبهم من مدينة كوستي ويعملون بهذه المِهن منذ زمنٍ بعيدٍ، كذلك بعض أبناء منطقة حي العرب بأم درمان، أما أبناء دولة جنوب السودان فإنّ المُتعاونين معنا كانوا عدداً قليلاً من قبائل (البارية) ومجموعة من سُكّان المنطقة (الإستوائية) ولم نتأثر بانفصالهم كثيراً، وما تُجدر الإشارة إليه أن هنالك اعتقاداً من بعض الناس أن أبناء دولة جنوب السودان يمثلون الفئة الشرائية الكبيرة على اعتقاد أنهم أكثر الناس اهتماماً بهذا الجانب، إلا أنّ هذا الاعتقاد خاطئ تماماً ولم يتأثّر فن الفلكلور بانقسام الدولة على الإطلاق.!
(5)
بالحديث عن مِحور الأسعار وأكثر السِّلع مُبيعاً وأقلها يمكن القول إنّ (سن الفيل) و(العاج) هي أكثر السِلع ارتفاعاً في الأسعار، فالرطل منها يفوق سعره (3) آلاف جنيه سوداني وهو أقل مبيعاً، كما أنه مَمنوع عالمياً، والمُنتوجات المصنوعة من الفِضة التي غالباً ما تكون في شكل سلاسل وعقود تتراوح أسعارها بين الـ(700 – 2000) جنيه وهي ضَعيفة من حيث المُبيعات أيضاً، وأحياناً يتحكّم السُّوق في الأسعار، فهنالك بعض المنتوجات القديمة تكون أغلى ثمناً من أُخرى جديدة ومُستحدثة، وبعض الصناعات والتُّحف المَصْنُوعة من الأبنوس يتوافد عليها الروس والصينيون بصورةٍ كبيرةٍ، وتوجد بعض المنتوجات الجلدية وتُعد أكثر مبيعاً منها، على سبيل المثال حقائب الإناث وبعض الآيات القرآنية المكتوبة على الرِقاع الجلدية التي يتوافد عليها الأتراك بصورةٍ كبيرةٍ وغيرها من المُنتجات الجلدية، وأيضاً بيض النعام وبعض المنتوجات من النِحاس النيكل والسعف والخزف والعديد من اللوحات التي تُجسِّد تراث كل بيئة من البيئات المُختلفة بالسودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.