هذا بيت الجاك 

الرسالة (4)

سألتني إحدى طالباتي بجامعة الأحفاد للبنات: ليه انت ما بتغيب ولا بتتأخّـر عن محاضراتك؟

سألتني وهي تتبعني بعد نهاية المحاضرة ولم أصل بعد لمكتبي لذا، كانت إجابتي على سؤالها في حدود ذلك الزمان والمكان.

قلت لها:

والله تعويدة

والله امتثالاً للمقولة “من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل”.

والله امتثالاً لحديث نبوي شريف (يروى) “لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا”.

فانصرفت ولم تعاود السؤال مرةً أخرى.. هل يا ترى اقتنعت أم قنعت؟!

حقيقة:

الإجابة على سؤال طالبة جامعة الأحفاد للبنات قد يستدعي سرد تفاصيل رحلة حياتي (بصدق وأمانة)، التي شكّلت تفكيري وسلوكي.. بالطبع طبيعة هذا العامود لا توفر القدر الكافي من المساحة للسرد التفصيلي لأي شيءٍ، ناهيك عن سرد حياة أستاذ ظَـلّ يدرس لأكثر من نصف قرنٍ من الزمان، كما أنّ طبيعة ومزاج قُـرّاء الصحف اليومية (خَاصّةً الإلكترونية) يريدونها كما “المَأكولات السريعة”/ fast food.

وبعد:

أقول إنّ تفكيري ونمط سلوكي تشكلا بدرجة عالية – من موروث زراعي، كيف؟ أنا أنتمي لأسرة مرتبطة بالأرض أباً عن جد (إلى الجاك جدنا الأكبر الذي بنى “البيت” إياهو)، (أفراد أسرتنا وجميع من امتهنوا الزراعة سبيلاً للعيش هم الذين قال فيهم الشاعر “عمّـروا الأرض حيثما قطنوا”. تجربتي الشخصية (في ساقية الوالد بالسواقي الشمالية بغرب القاش بكسلا/عشرة أفدنة أحد معالم مدينة كسلا الخضراء.. رحم الله وأحسن للوالد الخليفة حسن الجاك). علّمتني أنّ طبيعة حياة النبات مثلها مثل حياة الإنسان “من المهد إلى اللحد” يشتركون في سر الحياة الأوحد “الماء” (وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّ…) كما يشتركون في كل مراحل التطور: تهيئة وتهذيب وإعداد مكان الغرس لوضع النواة/البذرة/النطفة، وثُمّ العمل الجاد المنضبط في رعايته لينمو صحيحاً معافىً صالحاً لما قصد منه، وذلك بتوفير كل متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وأمن كما ورد في محكم التنزيل (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).

 

النبات كما الإنسان ليبقى على قيد الحياة يجب أن يأكل/يتغذّى بالأسمدة، ويشرب ويشذب في أوقات محددة تحديداً منضبطاً (على سبيل المثال لا الحصر يسقى الزرع في أوقات برودة أشعة الشمس في الصباحية وبين العصر والمغرب، ولا يسقى في الظهيرة، كذلك لا يقطف الزرع حتى تكتمل فترة نضوجه، غض النظر عن حاجة السوق، إلّا وبخس ثمنه وشانت سُمعة صاحبه، كذلك الالتزام بعدد ومواعيد السقايات حسب متطلبات كل زرع على حدة).

 

هكذا تعلّمت من رحلتي مع الزراعة (في ساقية أبوي) شيئين اثنين (آمل أن يكون قراء هذه الرسالة قد تعرّفوا عليهما): تحمُّل المسؤولية لأقصى حدٍّ من القدرة العقلية والجسمانية، واحترام الوقت بالدقة والانضباط المطلوب.

 

أتمنى أن أكون في هذه الرسالة قد أجبت بشيءٍ ولو يسير على السؤال الذي طرحته طالبة جامعة الأحفاد للبنات (لماذا لا أغيب ولماذا لا أتأخّـر عن محاضراتي؟؟).

هذا هو المراد والحمد لله، أما الذين يريدون المزيد فسيجدون ذلك في مكان آخر.. عهداً ووعداً.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.